المسافة التى يقطعها الفساد ذهاباً وإياباً فى مؤسسات الدولة تضعنا على قائمة أعلى الدول الفاسدة، فالتقييم العالمى لنا يؤكد أن نسبة الفساد فى مصر تصل إلى 99%. وإذا كانت المعايير العالمية تجود علينا بالمبالغة فالواقع يؤكد أن الفشل هو الوجه الآخر للفساد وأنهما يغذيان كل بذور اليأس والشك والتأخر. بشجاعة وقوة أعاد «السيسى» تعريف مصطلحات الفساد والفشل.. فهل يدرك المسئولون كباراً وصغاراً رسائل الرئيس؟ وهل يفهم الأغلبية منهم وضعه «ألف ولام التعريف» على ما يظنون أنه شىء عادى.. أم أن اعتيادهم الروتين وحفظهم للطرق القديمة فى معالجة المشكلات لم يجعلا لديهم بصيرة أو سخاء من ذكاء يدركون به الفشل؟ «السيسى» أعلنها واضحة: الطرق التقليدية فشل، ومن يمتلك الفشل فهو لاعب رئيسى فى تشكيل فرق دورى الفساد على أرض الوطن.. نسألهم الرحيل. ولكن هل تهبط علينا ثقافة شجاعة مواجهة النفس؟ وإذا رأى المسئول امتلاكه لمواصفات الفشل فليؤثر السلامة لنفسه حتى يبتعد عن شبهة التحريض على الفساد ويؤثر السلامة للوطن من توطين قيم وسلوكيات الفساد.. فهل يبصرون؟ والمسئول هو كل من تولى مسئولية أياً كان حجمها وليس الوزراء فقط فتولية الأمر لمن لا يصلح خطيئة كبرى. مصر فى لحظة لا ينبغى أن تبقى فيها أيادٍ مرتجفة، فالخائفون المرتعشون منعدمو أو قليلو الكفاءة يمتنعون.. فهذه النماذج من الركائز الكبرى للإعاقة والتعثر، وبالقياس نجد أن أغلب مؤسسات الدولة عناوين كبرى للتعثر وانعدام الرؤى وفقر الإبداع، والنتيجة واقع غائم أو معتم. «السيسى» أعاد تعريف أشكال الفساد مؤكداً أنه ليس فقط رشوة ولكن الفشل فساد والطرق التقليدية فى معالجة المشكلات فساد ومن لا يستطيع التطوير والإبداع فهو غير صالح وبالتالى فهو نموذج للفساد. مرة أخرى أعاد «السيسى» بشكل أوضح ما سبق أن أعلنه منذ أشهر: «من لا يستطع أداء مهام عمله بإبداع فلينسحب»، ولم ينسحب أحد، فعاد «السيسى» فى احتفالية تطوير ترسانة الإسكندرية ليعدد أشكال الفساد، مؤكداً أن هذا الإعلان يعنى أنه لم يرَ من أغلب المسئولين كفاءة تغنى الوطن فأفضلهم يسبح فى تيار تسيير الأعمال بما يرى أنه كذلك وليس كما ينبغى أن يكون دون أن يدرك أن العجز أحد الأعمدة الرئيسية لبناء الفشل ولكنهم لا يدركون أنهم فاقدو الكفاءة، وفاقد الكفاءة لا يعطى ولا يقدم. مؤكد أدرك «السيسى» أن أغلبية المسئولين فى مصر يمتلكون كفاءة واحدة وهى ترويض الفشل والإبقاء عليه. من معالم الفشل أيضاً التردد فى اتخاذ قرار صحيح فى توقيت صحيح، فالفشل أذى للوطن وتأكيد للعجز ومصر تمتلك خبرات وكفاءات وقامات ولكن لا نجيد استثمارها وربما لا نعرفها. هل يدرك الجميع أن الدولة لا يمكن أن تتطور وتتقدم على قدم وساق الرئيس فقط دون الدخول مع «السيسى» فى ماراثون الجدية والفاعلية والفهم والشرف والإخلاص والأمانة؟ هذه المعانى والقيم جميعها إذا غابت أو اختلت أو وجد بعضها دون الآخر فمكان المسئول ليس هنا، ولا ينبغى أن يكون فى موقعه. وبما أن أغلب مالكى المناصب لا يرون أنهم فقراء الكفاءة ويحسبون أنفسهم الأروع والأفضل ولم يجود الزمن بمثلهم فلن يروا العيب فيهم بل فى حبايبهم وزملائهم وبالتالى يجب أن تضع الدولة معايير علمية للاختيار بعيدة عن الهوى أو السمعة الطيبة أو الأقدمية، فالكفاءة هى المعيار الأول، ولا بد أن تضع الدولة أيضاً معايير ونظاماً موضوعياً لتقييم المسئولين كل فترة فالمسئول الذى يثبت أنه غير جدير بمسئوليته لا ينبغى أن نتركه لضميره وتقييم نفسه فالمعايير تضمن استمرار من أبلى بلاءً حسناً بل يتم دعمه لمزيد من الإنجاز ومن يتعثر وتثبت أفعاله أنه لا يمتلك رؤية أو اجتهاداً أو مقدرة، ومهما بلغ من دعم فلن يكون مبدعاً ومنجزاً، فليقدم له الشكر دون انتقاص من إنسانيته ودون إهدار لآدميته فمن يمتلك الكفاءة يعلن عن نفسه من أول لحظة وفى كل لحظة. ولا بد أن تقوم الدولة بعمل منظومة قوانين جديدة تعطى مساحة للإبداع وتطرد الخوف وهواجسه وتقتل الروتين والعقم وتقضى على ثقافة التأجيل والتعطيل. القوانين والمناخ إذا توافرت فلن تعتذر كفاءة عن تولى أى مسئولية وتضطر الدولة لاختيار «أحسن الوحشين» لاختيار أفضل الأسوأ ليثبت الواقع أن فئة الأسوأ لا تعرف «أفعل التفضيل»، والسيئ والأسوأ كلاهما سرطان فى رئة الوطن يجب استئصاله. إن الفساد يضرم نار الفشل فى كل أرجاء الوطن فاجتنبوه بقوانين ونظام ومناخ وإرادة لا يغيب عنها الإصرار.