من النادر أن يصادف عمل سوء الحظ الذى صادفته مسرحية «ثأر الله» التى ظلت حبيسة الأدراج لأكثر من 43 عاماً. كتب عبدالرحمن الشرقاوى المسرحية بجزأيها «الحسين ثائراً» و«الحسين شهيداً» فى عام 1969، متأثراً بهزيمة 67. وفى عام 1972 اتفق معه الفنان الراحل كرم مطاوع على تحويلها لعمل مسرحى، وبدأوا بالفعل فى عمل البروفات. وكان المقرر أن تكون البروفة الجنرال أى النهائية فى نوفمبر، على أن يكون الافتتاح الرسمى فى ديسمبر 1972. لكن «الضباب» أغلق أبواب المسرح. كان السادات الذى تولى حكم مصر فى عام 1971 وعد المصريين بأن يكون العام التالى (1972) عام الحسم أى تحرير الأرض، وهو ما لم يحدث وتعلل السادات -الذى كان يتحين الظرف المناسب لشن الحرب- بأسباب مختلفة، منها أنه أعطى أوامره بالفعل ببدء الحرب لكن الضباب منع الطيران من التحليق، فسمى هذا العام -الذى من المفروض أن يكون عام الحسم أى الحرب- بعام «الضباب». لم تقنع هذه الأعذار الواهية قطاعات كبيرة من الشعب واندلعت مظاهرات طلابية وعمالية ضخمة -فى شهر نوفمبر واستمرت لديسمبر - تطالب السادات بقرار الحرب. فتم تأجيل المسرحية فى البداية بسبب الاحتجاجات ثم -لاحقاً- بسبب تحفظات النظام السياسى الذى رأى فى مضمونها الثورى تحريضاً للناس على الخروج عليه. واجتمعت عدة أسباب أخرى لإجهاض المشروع ل15 عاماً متتالية، فقد قامت حرب73، ثم انشغل الشرقاوى بمسرحية «النسر الأحمر» عن صلاح الدين الأيوبى عام 1974 ثم «أحمد عرابى زعيم الفلاحين» عام 1976. ثم عادت «ثأر الله» تلح على الشرقاوى وكرم مطاوع مرة أخرى.. لكن الأزهر لم يكن متحمساً لأى عمل لعبدالرحمن الشرقاوى؛ خصوصاً بعد معركته الشهيرة مع شيخه الإمام الجليل الدكتور عبدالحليم محمود، وهى المعركة التى بدأت حين كتب شيخ الأزهر مقالة فى آخر ساعة قال فيها «ومما يستلفت النظر أن العشرة المبشرين بالجنة كلهم من الأغنياء». فرد عليه الشرقاوى الذى كان مسكوناً بالدفاع عن الفقراء وحقوقهم، بمقالة شهيرة عنوانها «لا يا صاحب الفضيلة» مضمونها أن الأغنياء لا يشترون الجنة بأموالهم وأن تاريخ الإسلام زاخر بفقراء لم يمنعهم فقرهم من العمل والتقرب إلى الله. ورغم العمر القصير للمعركة التى انتهت قبل وفاة الدكتور عبدالحليم محمود بعد نحو شهرين من المقال، إلا أن عدداً من تلاميذ الشيخ والنافذين داخل مؤسسة الأزهر ظلوا حانقين على الشرقاوى ويعتبرونه شيوعياً يستخدم الدين ستاراً للترويج لأفكاره اليسارية. وبسبب هذا الموقف عارضوا ترشيحه لجائزة الملك فيصل. وفى نفس العام رفضوا فيلم «الرسالة»، رغم أن السعودية نفسها سمحت بعرضه. وكان أحد أسباب الرفض وجود اسم الشرقاوى على سيناريو الفيلم (الذى شارك فيه توفيق الحكيم وعبدالحميد جودة السحار ومحمد على ماهر) وما زال الفيلم الذى شاهده الجميع ممنوعاً «رقابياً» حتى اليوم! وفى عام 1987 -وهو آخر سنوات الشرقاوى فى الدنيا- ذاب الجليد بين الشرقاوى والأزهر بعد أن تولى أحد كبار علمائه وهو الدكتور عبدالمنعم النمر الدفاع عن آراء الشرقاوى -باعتباره باحثاً محترماً ومجدداً أثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات هامة منها أئمة الفقه التسعة- وتحمس للمسرحية. والفعل عُرضت المسرحية مرة أخرى على الرقابة التى أحالتها للجنة من علماء الأزهر فأبدوا 4 تحفظات رئيسية؛ أولها ظهور الحسين، وثانيها ظهور السيدة زينب وتم التحايل على التحفظين بأن يتحدث الممثلون بصيغة المفرد الغائب أى يبدأ عبدالله غيث -الذى لعب دور الحسين- بقوله «يقول الحسين....». وكذلك فعلت أمينة رزق التى لعبت دور السيدة زينب. أما التحفظ الثالث فكان حذف الأبيات التى تسب «اليزيد بن معاوية» باعتباره صحابياً(!) وأخيراً تغيير اسم «ثأر الله»، فاستقر الشرقاوى على «الحسين ثائراً» عنواناً لجزئى المسرحية («الحسين ثائراً» و«الحسين شهيداً») بعد دمجهما وتمت إجازة المسرحية. وقرر وزير الثقافة -الدكتور أحمد هيكل وقتها- تحقيق حلم الشرقاوى فى أن يرى «الحسين» على المسرح. لكن عجز المسرح القومى ثم المسرح الحديث عن تمويل العمل، ثم مات الشرقاوى فى 10 نوفمبر ومعه توقفت المسرحية مرة أخرى لأجل غير مسمى، فلم يكن هناك من يتحمس كثيراً لها لاعتبارات كثيرة؛ منها أن فاروق حسنى، الذى جاء وزيراً للثقافة بعد هيكل، لم يكن على وفاق مع الشرقاوى الذى هاجمه واعتبره أقل من أن يكون وزيراً لثقافة مصر.. ثم إن مضمون المسرحية مرة أخرى لم يكن موضع ترحيب نظام مبارك الذى لن يقبل بما رفضه السادات الأوسع صدراً والأكثر فهماً. كما أن تيارات دينية مختلفة ناصبت المسرحية العداء، إلى درجة أن مرشد الإخوان السابق عمر التلمسانى قال ذات مرة -حسب رواية لعبدالمجيد أبوزيد مدير مكتب عبدالناصر للشئون السياسية والإعلامية فى حوار لصحيفة «القاهرة» فى نوفمبر 2007- فى أحد اجتماعات مبارك بالمثقفين والشخصيات العامة «إن دار الأوبرا أُحرقت لأننا سمعنا أنه سوف يعرض على مسارحها الحسين ثائراً»! بعد ثورة 25 يناير، أعلن مؤخراً المخرج المسرحى عصام السيد -مدفوعاً بمسلسل عمر الذى ظهر فيه كل صحابة رسول الله- رغبته فى أن يعيد الحياة للمسرحية المنكوبة التى يعتبرها أحد أجمل النصوص فى المسرح المصرى، وتقدم بالفعل بنصها للإجازة من الرقابة منذ عدة أسابيع. فهل توافق الرقابة الآن على ما رفضته منذ نحو 35 عاماً؟ سؤال ما زال الجميع ينتظر الإجابة عنه، لكن المؤشرات لا تبشر بجديد، فقد تقدم «السيد» بالنص للرقابة منذ أكثر من شهر، وهى أقصى مدة تستغرقها الرقابة للبت فى الأعمال المعروضة عليها وما زال الرد معلقاً لمزيد من الدراسة. وسبق للأزهر أن رفض عرض مسلسلى «عمر» و«الحسن والحسين». عصام السيد مُصرّ على إخراج المسرحية حتى لو اضطر لعرضها على الجمهور فى الشارع، ويستنكر أن يكون علماء السعودية -التى شاركت فى إنتاج مسلسلى «عمر» و«الحسن والحسين»- أكثر استنارة من علماء الأزهر. لكن موافقة الأزهر ليست على ما يبدو العقبة الوحيدة، فالدكتور أحمد عبدالرحمن الشرقاوى عهد بالمسرحية لمنتج آخر ويتعجب من حماس «السيد» لإخراج المسرحية دون الرجوع للورثة كما ينص القانون. والأكثر خطورة على مصير «الحسين» هو الجماعات المتشددة التى لا ترى فى «الحسين» إلا تطاولاً على الصحابة وإذكاء للمذهب الشيعى!