«ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيًا أو يعمل بمجال القضاء، لأن القاضي لا بد أن يكون قد نشأ في وسط بيئي واجتماعي مناسب لهذا العمل» بهذه الكلمات صرح محفوظ صابر وزير العدل.. تصريحا جعله وزيرا أسبق في غضون ساعات! هكذا هي القرارات غير المهمة تؤخذ في لمح البصر بينما تلك التي يحتاج إليها المواطن حقا في بلادنا تحتاج لشهور ولسنوات وربما لا تُتخذ من الأساس. مازلت لا أفهم سبب الثورة التي قامت ولم تقعد ضد تصريح الوزير الذي اختلف معه بكل تأكيد لكن أتفق في كون تصريحه يعبر عن حقيقة واقعة ليست في مجال القضاء فحسب! وإقالة أو إستقالة الوزير لن تغير هذه الحقيقة.. فقط سترضي هؤلاء الذين يجدون راحتهم في مَن ينافقهم، وسيعتبرها كل عامل نظافة بمثابة إعتذار عن حق يدرك هو انه لن يحصل عليه لكن يؤلمه الحرمان منه علنا بتصريحات إعلامية وكلمات جارحة لمهنته اليومية. عقب إستقالة الوزير ساد شعور بالإنتصار لدى البعض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومن الإعلام.. شعور لم يهتم أحد بعده من المنتفضين بأي إصلاح حقيقى لكل الجدل المجتمعي الذي دار حول عامل النظافة وغيره من أصحاب الطبقة الفقيرة والمهن اليدوية بمصر الذين يعيشون بمنأى عن أبناء الطبقة الأرستقراطية في مستعمرات الأغنياء وكأن الكلمة وحدها كانت كافية لإرضاء الضمير وكأن كل من أدان تصريح الوزير يحب الزبال حقا ويمكنه مصداقته أو بناء صلة نسب معه! نحن مجتمع البشاوات والبكاوات وما عداهم هم مجرد حاشية وكهنة، مجتمع كليات القمة هي الطب والهندسة والصيدلة وما عداهم من خريجي الكليات الأخرى هم أقل في العلم وفي"البرستيج"، مجتمع الزواج فيه يعتمد على رقمك في مكتب تنسيق الجامعات ورقم حسابك في البنك وقدرتك على تأكيد هذا أمام الجواهرجي في اليوم المعلوم، مجتمع متدين بطبعه في القشور لا اللباب. مجتمع الشىء ونقيضه، فماذا يعنينا في اسم وزير العدل وتاريخه وتاريخ الكثير منا أيضا لا يحفل بالعدل خاصة مع المختلفين عنا سياسيا ودينيا وفكريا.. لنعترف بأننا طبقيون عنصريون طائفيون، نمثل أننا متسامحون. استقالة المستشار محفوظ صابر لم تدهشني شأنها شأن تعيين المستشار أحمد الزند خلفا له.. لأن الدهشة سمة البدايات ونحن أبعد ما نكون عن العتبات الأولى لسوء الإختيار في ظل الحكومات المتعاقبة منذ زمن على مصر، وحتى السخرية من باب القفز فوق أزماتنا لم تعد مجدية لأننا لم نعد شعب إبن نكتة بل أصبحنا نحن ذاتنا النكتة لغيرنا من الشعوب.