600 كيلو متر.. هي المسافة الفاصلة بين إيران وأغنى مناطق جنوبالعراق ثراءً بالنفط، مئات الحافلات الإيرانية تعبر الحدود، لزيارة للمقامات والأضرحة في المناسبات الدينية، مكاتب الميليشيات والعصائب التابعة لطهران تعلن عن نفسها بلافتات كبيرة في الشوارع، جدر خرسانية عالية وحراسات مشددة قد تعرضك للأذى إذا فكرت في التقاط صورة لها من الخارج، ورغم فشلها في استقطاب الجنوبيين، إلا أنها تصر على التواجد في محافظاتالبصرة وبابل والديوانية؛ لضمان السيطرة، بخاصة بعد تأزم خلافاتها مع بعض المراجع الدينية المعتدلة، التي لا تريد لإيران فرض وصايتها على بغداد، فيما اتهمها مقربون من بعض المراجع المعتدلة بأنها تدير جرائم ضد السنة في بعض المناطق، لمحاولة الوقيعة بين أبناء الشعب عن طريق الفتنة المذهبية. التدخلات الإيرانية لا تنحصر في السيطرة على الحوزات والمراجع وأغلب أعضاء الحكومة، وإنما تمتد لأنشطة اقتصادية واجتماعية، فمعظم البضائع المعروضة في المحال "إيرانية"، الأسمنت والأدوات الصحية، وكثير من الأغذية والمشروبات.. "إيران تأمرت على العراق، بعد سيطرتها على الحكومات المتعاقبة، وضغطها على أعضائها، ليسطروا دستورا في البداية لم يحو نصًا يفيد بأن العراق جزء من الأمة العربية".. هكذا وصف علي جعفر، مخرج تلفزيوني، التدخل الإيراني في سياسة العراق، مشيرا إلى أن تصريح علي يونس مستشار روحاني، بأن العراق جزء من امبراطورية إيران، يدلل على أن طهران تسعى للسيطرة على العراق، حتى وإن خرج من ينفي تصريحات المسؤول العراقي، الذي شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات، فإن إيران أساءت بالفعل لبغداد، فمن صرح بتلك التصريحات رجل ذو حيثية، ولا ينطق حديثا ارتجاليا بغير هدف. يقول جعفر: "هناك عراقيين مستفيدين من مناصرة إيران في تدخلاتها، سواء على المستوى السياسي أو الشعبي، وهذه هي الكارثة، لأن هؤلاء الأشخاص يسمحون للقوى الإقليمية بالتدخل في سياستنا وتحديد مصائرنا، وأؤكد أنه إذا كانت هناك مذابح جرت بحق أهل السنة كما تردد، فإنه سيكون بفعل الميليشيات الموالية للإيرانيين، في محاولة للوقيعة بين أهل العراق سواء السنة أو الشيعة". على أطراف المدينة تسكن عائلة الوائلي، واجهة المنزل بدت حزينة وسط تحصينات بسيطة وكاميرات مراقبة، حيث إن تلك العائلة معروفة بمعاداتها للتدخل الإيراني في العراق رغم كونها "شيعية"، فحصدت نتاج توجهاتها وحبها للوطن والعروبة، بفقد أحد أبنائها بسبب خلاف مع توجهات حكومة نوري المالكي، حيث كان محمد مصبح الوائلي، الذي كان يشغل منصب محافظ مدينة البصرة، وعرف عنه رفضه للسياسات الإيرانية، ورفض الكثير من قرارات المالكي، التي لا تصب في مصلحة العراقيين، كما طرد الإيرانيين من جزيرة "أم الرصاص" الواقعة على الحدود العراقيةالإيرانية، وأسس أول كتيبة لحرس الحدود بالجزيرة، فتم اغتياله، علاوة على اعتقال إيران لأحد أفراد الأسرة وهو "إسماعيل"، بسبب صراع المرجعيات العربية مع المرجعيات الموالية لطهران. وجهت أسرة الوائلي، أصابع الاتهام لإيران وساعدها الأيمن في العراق، كما حملتهما المسؤولية عن مقتل نجلهم. "الوطن" زارت منزل العائلة، وتحدثت مع الشقيق الأوسط أحمد مصبح الوائلي، عن أسباب و كيفية اغتيال شقيقه محمد محافظ البصرة، التي استأثرت بأكثر من 80% من ثروة العراق النفطية، ما جعلها مطمعا للبريطانيين قبيل الإيرانيين. يقول أحمد، إن شقيقه الشهيد محمد مصبح، تسلم منصب المحافظ لمدة 4 أعوام، من أهالي البصرة وقبيلة بني وائل العربية، وكانت لديه رؤية لينهض بالمدينة عمرانيًا واقتصاديًا، وكان ينهج منهجًا وطنيًا ومعتدلًا، فلا يقبل أن يتدخل غير العراقيين في سياسة العراق، وأسس مدينة جديدة على الحدود أسماها "نيو بصرة"، وعندما تسلم المنصب، كان تابعًا لحزب الفضيلة، الذي حصل على 26 مقعدًا في البرلمان العراقي، ووجه المرجع الشيخ محمد اليعقوبي، بأن ينسلخ من حزبيته، وأن يكون محافظا لكل أبناء البصرة، وكان منزعج دائمًا من التدخلات الإيرانية وميليشياتها في المدينة. يتابع أحمد "القنصل الإيراني تجرأ وحضر احتفال مدرسة التجارة للبنات في الزبير، وكان يصحبه وكيل المرجع السيستاني، فطالب رسميا بإغلاق القنصلية الإيرانية، ووجه خطابًا رسميًا لرئيس الوزراء ووزير الخارجية، وطالب بإغلاق القنصلية، وحاول البريطانيون والسعوديون استقطابه فأبى أن يكون توجهه سوى لخدمة العراق وحل مشاكل المواطنين سنة وشيعة، كما طالب بإعادة المصانع الحكومية، وإحياء التصنيع العسكري، ونظرا لأن المحافظة تستأثر بثروات نفطية هائلة، فكان موضع نظر بسبب استقلاليته، وعدم تنفيذ رغبات الدول الطامعة، ولما لم يتوافق توجهه الوطني مع توجه نوري المالكي، جرد من صلاحياته الأمنية، لأن المحافظ كان رئيس الشرطة وله كافة الصلاحيات، بخاصة بعد أن أصبحت المدينة مرتعًا للميلشيات، بخاصة بعد أن طالب بتفعيل اللامركزية، التي نص عليها الدستور، وإقالة حكومة المالكي على خلفية اتهامها بالعمالة لإيران". يضيف "في أول 8 أشهر، بعد أن عرفوا توجهاته الوطنية، شنت عليه حملة شعواء من التابعين لإيران وبريطانيا والسعودية، لأن الدول المتآمرة لا تريد شخصية وطنية كثرت شعبيتها، بخاصة بعد أن فقد المالكي شعبيته، وأصدر قرارًا بفصله، فرفع محمد دعوى قضائية، قضت بعدم صحة قرار المالكي، ولم ينجح في إقالته، واستمر في منصبه، ودبرت له المكائد لترك منصبه، وبالفعل ترك المنصب، لكنه عمل في البصرة وساعد المحتاجين، وكان موجود دائمًا لحل مشاكلهم، وحينها أصدر المالكي قرارًا برفع الحماية عنه، رغم عدم صحة القرار الذي لا يتوافق مع القانون، وحينها قال لي شقيقي قبل استشهاده بعشرة أيام: (نوري المالكي أدخل ميليشيات سرية إلى البصرة لتنفيذ مجموعة اغتيالات وأنا على رأسها، ولو تم اغتيالي فدمي في رقبة نوري المالكي)". واستكمل أحمد "المالكي أدخل المليشيات المسلحة لمدينة البصرة، لاعتقال شقيق إسماعيل مصبح، بتوجيه إيراني بريطاني، وزعموا أنه يحتمي بنفوذ أخيه المحافظ، ويشكل ميليشيا رغم عدم وجود أي دليل أو حتى دعوة قضائية أو مذكرة رسمية، لكن تبين أن دخول قوات المالكي، كانت بغرض اغتيال شقيقي". وتابع "المخابرات أبلغت شقيقي بأن هناك محاولة لاغتياله، وطالب باستعادة الحماية الخاصة به، إلا أن حكومة المالكي رفضت، وأثناء تجوله في المنطقة الموجود بها مكتب السيستاني، التي كانت تحميها أكمنة أمنية، اختفت في ذلك اليوم، تم اغتيال شقيقي أمام باب المسجد، وكان لا يزال حيًا، ورفضت القوات التي جاءت عقب الحادث نقله للمستشفى لإسعافه". * مرجع ديني: صهر السيستاني باع النفط للإنجليز بعقود مفتوحة أكد "أ. ع" أحد المقربين من المراجع الدينية، أن تدخل إيران في العراق بدأ بالتآمر على بغداد مع الأمريكان، ووقوع صدام في فخ الكويت، لافتًا إلى أن النظام البعثي كان عصيا على العديد من القوى الدولية، وبعد إسقاطه بدأت أمريكاوإيران تقسيم الغنائم، فانتشرت المنظمات الإسلامية الإيرانية في مدن العراق، تحت ستار العمل الخيري والديني، لكن تلك الأعمال لا تمثل سوى غطاء، حيث تتنوع نشاطات تلك المنظمات التي تضم عناصر معلوماتية، وعناصر مسلحة وكتائب وميليشيات يوالي عناصرها الإيرانيين، بخاصة بعد أن سيطرت طهران على بعض المراجع الدينية، وأصبح القرار بيد تلك المراجع وبالتالي بيد طهران. وأضاف، أن وزير النفط السابق حسين الشهرستاني "إنجليزي الجنسية"، وصهر المرجع الديني السيستاني، باع نفط العراق للغرب بعقود مفتوحة لمدة 50 عاما، لافتا إلى أنه أجرم في عقود البيع، عندما حدد نسبة للشركات، متجاهلًا أسعار النفط، وهو ما تسبب في تكبد العراق خسائر فادحة، أثرت على الميزانية العامة للدولة، بعد انخفاض أسعار النفط، ولفت إلى أن اللجنة البرلمانية للنفط في عهد حكومة المالكي، طالبت بضرورة فتح الملفات الخاصة بجولات التراخيص النفطية، التي تشوبها شبهات الفساد، وتقديم المتسببين بإهدار المال العام إلى القضاء لمحاسبتهم، بعد أن أصبحت الدولة مدينة للشركات النفطية ب32 ترليون دينار نتيجة لسياستهم، إلا أن ذلك لم يحدث، ولم يحاسب المالكي الذي كان ساعدًا عراقيًا لإيران، أي من الوزراء الموالين لطهران. * مواطن عراقي: مصبح عمل على عودة السيادة العراقية وتحقيق العدالة الاجتماعية فاغتالوه "ليست إيران الوحيدة التي تتدخل وتسيطر على الشأن العراقي، فالحكومة الراهنة معظمها وزراء مجنسون، ومعظمهم عاد إلى العراق على ظهر الدبابات الأمريكية، بعد الاحتلال وسقوط صدام حسين".. هكذا وصف محمد أسعد "مدرس"، الأوضاع الراهنة في العراق، لافتا إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تعمل لصالح الوطن، ووضعت المواءمات السياسية والمحاصصة نصب أعينها، سواء في اختيار المسؤولين أو حتى في البرلمان، وحين حاول مصبح، محافظ البصرة، عودة السيادة العراقية وتحقيق العدالة الاجتماعية اغتالوه، فهناك ستار للطائفية التي أسست لها الحكومات، لتميز بين فئات وطوائف العراقيين بعد غياب قيم المواطنة. وأشار أسعد، إلى أن أمريكا قضت على الجيش العراقي، وإيران زودت أنصارها بالسلاح، وكونوا ميليشيات وعصائب، فأصبحت الدولة تعيث في غياهب الفتن على المستوى السياسي. وحول تأثير التوجهات السياسية، على إثارة الطائفية بين العوام، أكد أسعد أن البسطاء من الشعب لا يعرفون الطائفية إلا فيما ندر، وقد تقع بعض الحوادث الفردية من المتطرفين، منوها إلى أن أبناء الوطن، سنة وشيعة وأكراد ومسيحيين من العوام، يعيشون مع بعضهم البعض دون تفرقة، وأما الطائفية فهي صنيعة سياسية سيطرت على النخب وأتباعها، مدللًا على ذلك بقوله: "والدي كان يمتلك محل أقمشة، وكان يعمل لدينا 3 مصريين سنة، ونحن شيعة، وكنا نصلي ونصوم ونفطر سويًا، وكان رواد المتجر ينادون أحد المصريين باسم والدي، معتقدين أنه نجله، فالعامة لم ولن تعرف الطائفية".