تمر جماعة الإخوان، بأزمة هي الأصعب في تاريخها، كونها تهدد الهيكل التنظيمي والتماسك الهرمي، الذي سعى القائمين عليه، لبقاءه بعيداً عن حدة المشاحنات الداخلية، رغم "المحن" التي مر بها. وما يحدث داخل التنظيم، من صراع بين جبهتين، طبيعي ومنطقي في ظل السيطرة الكاملة والإدارة المنفردة، لخيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة، ومن معه، وسيطرتهم على كل ما تملكه الجماعة من أموال، وتدخله في الانتخابات على مستوى مجالس شورى المحافظات، واختيارات المكتب الإدارية في التنظيم، لضمان سيطرته الكاملة، واستمراره الطويل في إدارة التنظيم. وما فعله الشاطر، ومن معه، نتيجة لاعتقادهم بأنهم المنهج الإخواني، أن كل من يخالفهم، يحاول شق الصف، والخروج عن أدبيات التنظيم، وفي السابق، كان يتم إقصاء كل من يفكر في الخروج عن الشاطر ومن معه، بذريعة "تنقية الصف".". الأزمة طبيعية ومنطقية، نتيجة لرفع قيادة التنظيم، في مرحلة اعتصام رابعة وما بعدها، من سقف التوقعات لدى الشباب، ودفعهم نحو "الموت"، بحجة أن الدعوة يجب أن يكون لها رجال، يموتون لأجلها، ليس هذا فحسب، بل إن قيادة التنظيم التي قادته، منذ اعتصام رابعة، اتخذت من سياسة النفس الطويل في المظاهرات والاعتصامات، نهجًا لها، على أمل الضغط على النظام، لحدوث مواءمات، للجلوس في النهاية والعودة للمشهد السياسي، وربما الإطاحة بالنظام نفسه. في حين يرى الجيل الجديد أنه يجب التصعيد في المظاهرات وأعمال العنف وتشكيل تحالفات معارضة للنظام، ومن ثم إسقاطه. بدية الأزمة في الأشهر الأخيرة، من عام 2013، كانت هناك حالة من الرفض الشديد من شباب التنظيم، لقيادات الجماعة، التي أدارت البلاد والجماعة، منذ ثورة 25 يناير، لإيمانهم بأنهم السبب الذي أوصل الجماعة إلى المحرقة، وتعالت نبرات المطالبة بعزل قيادات التنظيم، وتشكيل قيادة شبابية تقود الإخوان في مصر. عملية الضغط على القيادات، أتت بثمارها، واختار مكتب الإرشاد ضم عدداً من القيادات له، مثل "حسين إبراهيم، أمين عام حزب الحرية والعدالة، وعلي بطيخ، عضو مجلس شورى الجماعة"، إلى جانب مجموعة من شباب التنظيم، وكلهم تم اختيارهم بانتخابات شكلية، في فبراير 2014. كان الهدف من تشكيل مكتب إرشاد مصغر، احتواء الشباب والاستعانة بقيادات موثوق فيها، وتحمل نفس فكر من هم في السجون، لإدارة الأزمة. تطور الأزمة: عمل شباب الإخوان، الذين تم اختيارهم، على عزل قيادات المكتب القديم، الممثلة في (حسين وعزت وغزلان والبر)، ونجحوا في السيطرة، على المنافذ الإعلامية للجماعة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي والأنترنت. وخلال الفترة من 2014 وحتى الشهر الجاري، كان شباب التنظيم، يتوددون للقيادات الذين يريدون عزلهم، مع نشر شائعات حول فسادهم المالي والتنظيمي، وعدم قدرتهم على مواجهة النظام. وظهرت الأزمة على السطح، ولدى وسائل الإعلام، بعد تسريب خبراً، عن محاولة مكتب الإرشاد القديم، الذي يقوده "محمود عزت ومحمود حسين ومحمود غزلان وعبدالرحمن البر"، الانقلاب على المكتب الجديد، في حين أن الانقلاب على المكتب القديم، وفقاً لتتبع الأزمة، وعمد شباب الإخوان، الذين يقودون الجناح المضاد، على تصدير هذه الرؤية للإعلام، لامتلاكهم المنافذ الإعلامية للجماعة وعلاقتهم ببعض المواقع الخبرية، التي يثق فيها شباب التنظيم، في ظل عدم قدرة قيادات الجماعة المختبئة، على الحديث لإعلام غير الإعلام الإخواني، الذي سيطر عليه الشباب وملكوا مفاتيحه. حاول شباب الإخوان، التأكيد على أن عدم قدرة أي من القيادات، على نشر بيان على منافذ الجماعة، يعني أنه جرت انتخابات بالفعل، وأنه تم عزلهم. وعدم قدرتهم على نشر بيانات أو مقالات، يعني أنهم سلموا بالانتخابات وتركوا كل سيطرتهم على المنافذ الإعلامية، ومن ثم تراجعوا ويريدون العودة مجدداً، لكنهم لا يستطيعون. ويسعى الشباب، لعزل القيادات إعلامياً، ومن ثم لا يصل صوتهم للقواعد، مع تعدد مواقع نشر أخبار، في مواقع غير محسوبة على التنظيم، حول مؤامرات القيادات القديمة، للعودة للقيادة مرة أخرى. وخلال اليومين الماضيين، دشن شباب التنظيم، "هاشتاج" بعنوان، "مش هنرجع لورا"، لقيادة الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي وشحنهم نحو القيادات القديمة، وإظهارهم بمظهر، الطامع في الإدارة، الذي يريد الاستمرار للتغطية على فساده المالي والتنظيمي. ونُشرت شائعة، أمس، تفيد بسفر كلاً من محمود حسين وإبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي لإيران، ما أثر على مصلحة التنظيم، ولم يكن هذا الخبر إلا شائعة، لإضفاء نوع من الشرعية على عزلهم. طبيعة الاختلاف الاختلاف بين قيادات التنظيم وشبابه، ليس خلافة على السلمية والعنف، فليس منطقياً أن يتحول محمود غزلان ومحمود عزت وعبد الرحمن البر ومحمود حسين، لدعاة سلمية وهم من صقور التنظيم، قطبي الفكر. الخلاف في الأصل، حول طريقة مواجهة النظام، والعنف في القلب منها، لكن كل بوسائله. الطرفان متفقان على استخدام العنف، لكن الجيل القديم، يرى أنه لا يجب أن يكون استخدامه بشكل علني، حفاظاً على صورة الجماعة، إلى جانب اتباع سياسة النفس الطويل في المظاهرات، والعودة للصورة التي كانت تتعامل بها الجماعة، مع نظام حسني مبارك. ويعتقد هذا الجناح، ويراهن على فشل النظام اقتصادياً وتشكيل جبهة مع كتل سياسية أخرى لإسقاطه، على المدى البعيد. في حين يرى الجناح الشاب، أن المواجهة السريعة، هي الحل، بعد تشكيل تحالف مع باقي القوى الثورية. نقاط قوة كل طرف: يمتلك الشباب المنافذ الإعلامية، والعلاقة القوية مع مكتب الإخوان في الخارج، والدعم من قبل كيانات محسوبة على الإخوان، مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في حين يملتك الجناح الآخر المفاتيح التنظيمية والمالية مع المكاتب الإدارية في المحافظات وفي الخارج. تساؤلات: إذا كان محمود حسين قد تم عزله من منصبه، في فبراير 2014، فلماذا ظلت الصفحة الرسمية للجماعة، على موقع فيس بوك، وموقع إخوان أون لاين، ينشرون بياناته، باعتباره الأمين العام للتنظيم، حتى نهاية سبتمبر عام 2014. كيف انضم حسين إبراهيم ومحمد وهدان، وهم رجال خيرت الشاطر، لشباب التنظيم، ومحمد سعد عليوة، وهو صهر الشاطر أيضا وهو من أتى به لمكتب الإرشاد، وكلهم في الجناح المعارض لفكر الشباب، ربما اختار الشاطر، التضحية بمحمود حسين ومن معه، لضمان موضع قدم بين الجيل الجديد، ولتفادي ثورة شباب الجماعة. ربما لو كان في الخارج، لكانت الثورة عليه ومن معه. طبيعة العنف المتوقعة: استلهم شباب الإخوان، خلال الفترة الماضية، الطرق البدائية في تصنيع القنابل، من التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق، ويرون فيهم الطريقة الصحيحة لمواجهة النظام الحالي، غير أن شباب التنظيم وما يمتلكونه، لا يمكن أن تصل لقدرة تنظيم داعش في سوريا والعراق أو تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء، لكن على الأرجح، سيعملون على زيادة العمليات النوعية تجاه ضباط الجيش والشرطة والقضاة، واستهداف المنشأت الخدمية مثل الكهرباء وشبكات التليفون المحمول، لكنهم لا يمكن أن يصلوا لما وصلت له التنظيمات في سوريا والعراق من عمليات عنف. مستقبل الجماعة: مستقبل الجماعة غامض ومرتبك، ومن الصعب التوقع بشكل الجماعة في المستقبل، في ظل حالة الارتباك التي تعيشها القواعد، في ظل تضارب المعلومات، التي تصل لها عن طريق المواقع الخبرية، ومصدر هذه الأخبار وما تحمله في بعض الأحيان من شائعات لضرب طرف، على حساب طرف. وإن لم تكن الإطاحة بقيادات المكتب القديم للإخوان، بعلم ومعرفة خيرت الشاطر، لضمان تفادي بقائه في قيادة الجماعة، ومن ثم يظل المتحكم عن طريق رجاله في الخارج، فإنه قدرة كل طرف في السيطرة، على الجماعة، مرهونة بمدى قدرتهم على التأثير في الهياكل التنظيمية في المحافظات.