عنوان غريب لمقال عن تلك الظاهرة التى نعاني منها اشد المعاناة في وطننا العربي حالياً، ازمة تصول و تجول بنا و لا يتوقع اي منا إلى أي مدى ستصل و عند أي حد ستنتهي. و لكن دوماً ما نسمع التحليل و التنظير عن ظاهرة التطرف و كأنها وجدت من عدم، فقط يناقش الأسباب الظاهرية كالتمويل (غير أكيد المصدر)، التشكيلات و التنظيمات، و الأشخاص و الأسماء الغريبة التى تظهر لنا كل يوم...الخ. لذا ارجوا من حضراتكم أن نتعمق سوياً في هذه الظاهرة من الناحية المجتمعية و الإنسانية .. بالطبع لن نغطي كل الأسباب لكن سنتعرض لبعض منها و التى اعتقد ان لها اهمية كبيرة و لكن لم تحظى بالقدر المناسب من التغطية و التحليل. فوقوفنا على هذا الأسباب سوف يرشدنا إلى حلول قد تساعدنا يوماً ما في إستئصال هذه الظاهرة العضال و الحد من أثارها السلبية على حياتنا. و لعل أول الأسباب التربية و التنشئة الإجتماعية للأطفال: فعلى مدى الثلاث عقود الأخيرة لمسنا انحدارا في مستوى التنشئة الدينية الوسطية السليمة و استبدلناها بتنشئة ظاهرية تعتمد على طبيعة و الوضع الاجتماعي لكل أسرة فهناك ما هو مقبول من قبل بعض الأسر و ما هو مرفوض من البعض الآخر، و هكذا استبدلنا الأسس و القيم الثابتة في الديانات السماوية ببعض القواعد النسبية، أي لم يعد الطفل يربى على مراقبه الخالق لتصرفاته في السر و العلن، بل على ان تصرفاته مراقبه من قبل المجتمع الذي يجب ان يحترمه و لذا فقد يحدث الخطأ عند غياب الرقابة المجتمعية. و استكمالا لذلك نجد أن ثاني الأسباب هو ضعف المادة الثقافية و الإجتماعية المقدمة للطفل من خلال الأدب أو التلفزيون: فكثير من الأسر غاب عنها أن (تقرأ الكتب و القصص لأطفالها) هذه المتعة التى تبني و تنمي خيال الطفل، بل تمرر له مجموعة من الأسس و القيم التى ترسخ في ذهنه، بالإضافة لما لها من قيمة اجتماعية تربوية كبيرة من خلال التواصل المباشر بين افراد الأسرة و الطفل و التى ترسخ لقيمة الحوار بين أفراد الأسرة و بالتالي ترابطها. بل على العكس تركت الأطفال لتربيهم برامج و الافلام الكرتون المدبلجة و التى لم تصدر لتحقق قيمنا المجتمعية او تعبر عن افكارنا، و مثالاً حياً على ذلك فقد تحاورت مع أحد الأباء و الذي عبر لي عن حزنه لتصرف ابنه كاحد النماذج الآليه الموجودة بأحد الأفلام – و آخر حزين لشكوى المدرسين من تصرف ابنه بعنف داخل المدرسة – و آخر لعدم تركيز ابنه داخل الفصل الدراسي و قله استيعابه و التى يعود اسبابها جميعاً لكثرة و طول مدة متابعة افلام الكرتون، اضافه إلى عوامل أخرى!! و نصح مدرسيهم جميعاً بالتواصل الفعال مع الابناء و عدم تركهم لمدد طويلة أمام مثل هذه البرامج كأحد الحلول..و التى اطرحها كحل على حضراتكم ايضاً في حالة ملاحظة هذه المشاكل على اطفالكم. ثم يكبر الطفل قليلاً فيستطيع هذا الصغير التعامل مع (البلاي استشن و الكمبيوتر) لنجد الفرحة العارمة من الأب و الأم بهذا المبدع الذي يستطيع استخدام ما لم يستطيعون استخدامه و هم في مثل سنه...لكني لست اراه السبب الحقيقي في هذه الفرحة (عند الغالبية)!! بل السبب الحقيقي انه وسيلة الهاء للصغير و استيعاب طاقته دون ازعاج الوالدين ..ليمكث الطفل العديد من الساعات متوحداً مع هذه الأجهزة و التى ترافقه في مراحل صباه - مراهقته - بداية شبابه، حيث تصبح اسرته و مصدر معلوماته و علاقاته، فيبدأ علاقته معها متدرجاً بداية بالالعاب و التى غالباً ما تحض على القتال و العنف، ثم محاولة ايجاد استفسارات عن ما يواجهه في مرحلته العمرية عن طريق شبكة (الإنترنت) و التى قد تكون (مغلوطة)، ثم ليجد اصدقاءه من خلال برامج التواصل الإجتماعي (غير المناسبين) !! و هذا هو عين الخطر ..فهو بعيد غالبية الوقت عن عين الأسرة - فهو يمارس حياته في عالم آخر منفصل عنها تماماً. أما عن المجتمع فحدث و لا حرج ففئات المجتمع المختلفة لا تبحث عن أداء دورها في المجتمع بقدر ما تبحث عن قدر انتفاعها منه، فنجد أن كثير من المدارس تهتم الآن بتقديم خدمات ترفيهية على حساب تقديم خدمة تربوية سليمة، و حتى مقدموا الخدمة (المدرس) اهتم بجني الأرباح أكثر من اهتمامه برسالته!!، أما على المستوى الاعلامي فان الاعلام الحكومي اصبح طارداً و بات الاعلام الخاص معتمداً على التشهير و القفشات و الخبطات الاعلامية غير آبه بدوره الحقيقي. و في ذات السياق حدث و لا حرج عن الفن المقدم بانواعه من اغاني و افلام هابطه المحتوى فاصبح معظمه يرسخ لقيم الاسفاف و البلطجة و عدم احترام القانون. و تحت ظروف هذا النوع من التنشئة من أين لشاب أن يقاوم هذا الطوفان من الاهتمام و الحنان و الاستيعاب و الدعم و التوجيه من هذه الكيانات المتطرفه؟؟؟ و ما كل هذا الا ضرب على جميع الاوتار التى يطرب لها الشاب و يستعذب الحانها، ليجد نفسه و دون قصد جزء من منظومة التطرف !!