اليوم بالنسبة لي يمثل حدثًا كونيا نادر الحدوث، فمنذ ارتضيت العمل ك "صحفي" محترف وأنا أتذكر جيدًا أيام أجازاتي، لقلتها وربما انعدامها، ولأني شخص استغلالي، قررت أن استغل يوم الأجازة "أريح" إستغلال، فسهرت قدر المستطاع ليلة أمس حتى أشرقت شمس اليوم وخلدت للنوم، دون الإلتفات إلى تليفوني لضبط منبهه المزعج، فكل يوم برغم ايقافه بعد نجاحه ب"رخامة" في إيقاظي إلا أن عشقه للإزعاج يأبى إلا أن يطمئن أنني استيقظت واستحممت وارتديت ملابسي، حتى أن أخر ازعاجاته تطاردني حتى باب شقتي وأنا أتمتم بأذكار الصباح قبل استقبال ما يخبئه اليوم لي من انفجارات أو اغتيالات أو تصريحات مستفزة لأيًا من مستفزينا. ايقظني أذان المغرب، فاعترتني الريبة، إلا أنني تذكرت بعد ثوانٍ أنني لم أتأخر عن عملي فاعتلت وجهي ابتسامة رضا، سرعان ما اختفت عندما نظرت في تليفوني فوجدته في حالة إنتفاخ من كم المكالمات التي لم يُرد عليها، دعوت الله الستر، ونظرتها وأنا أبحث عن رقم واحد فقط يؤرقني -"رقم الجرنال"-، وعندما وجدته غمرتني الحسرة على يوم الأجازة الذي لم أهنأ به بعد. اتصلت بالجريدة لأستفسر عن سبب اتصالهم بي رغم علمهم بأنني في اجازة، فكان الرد المُبهج "اتصلنا غلط، أجازة سعيدة"، حمدت الله وقررت أن اتمتع بما تبقى لي من هذا اليوم، فتحت التلفزيون الذي لم أشاهده منذ فترة، ولأني سئمت المحتوي السياسي والثقافي والتوعوي تماماً قررت أن أشاهد قناة "سبيس تون"، فلم أجد إلا مسلسلات كارتونية تافهة لا تنمي لدي الطفل أي شيئ، وأمرني خيالي بتدقيق النظر في المحتوى الكارتوني الذي كنت أشاهده وأنا طفل، لعلي أكتشف ذلك العامل المشترك الذي زرع في شباب جيلي تلك الروح الثورية الرافضة للإنصياع والناقمة على الفُتات الذي تجود به الحكومة علينا. ولاحت من بين ثنايا ذاكرتي المتهالكة شخصيات بطولية ك "دوق فليد" في مسلسل جريندايزر، "ماهر" في مازنجر،"ماجد" في الكابتن ماجد، "كونان" في المحقق كونان وغيرهم، وبنظرة المحلل، اكتشفت أن كل تلك المسلسلات الكرتونية التي ترعرعنا عليها يابانية الصنع، فكل هؤلاء الأبطال رغم اختلاف أدوارهم، إلا أنهم متشابهون في الشكل الياباني تمامًا، بتلك الأعين الضيقة والبشرة الصفراء والشعر الناعم والقامات القصيرة. ويكأن الرسام الياباني قد أدرك قيمة المحتوى الفكري وأيقن أن هذه المسلسلات الكرتونية ستُدبلج للغات عدة، فأراد أن يعلم العالم أجمع أنه وحتى إن اختلفت اللغة التي سيقدم بها العمل إلا أن البطل واحد ولن تتغير ملامحه بتغير لسانه، أراد الرسام أن يقول للعالم أجمع أن البطل دائمًا وأبدًا سيكون ياباني. بنظرة أكثر عمقًا، سنجد أن شخصيتنا ك"شباب" اكتسبت من كل مسلسل سمة إيجابية ونبذت سمة سلبية، ففي مازنجر مثلًا، انطبع بداخلنا حب ماهر وفاتن للخير وبُغض أبو الغضب الشرير والمزدوج ذو الوجهين، فأحببنا الشفافية وعدم التلون، وكذلك في جريندايزر الذي أحب الأرض ودافع عنها ضد من أرادو سرقة خيرها واستعباد أهلها فأحببنا الحرية وحب الناس والوطن وبذل الغالي والنفيس من أجله، أما من الكابتن ماجد تعلمنا الحلم والإصرار على تحقيقه وإن كان مستحيلاً، ومن المحقق كونان تعلمنا "تشغيل الدماغ" وأننا وإن كنا صغارًا، إلا أننا قادرون على ما استصعب على أولي الأمر وأنهم ليسوا دائمًا على حق. بعد جولة بين قنوات التليفزيون الطفولية بصحبة أخي الصغير أطفأته، وفتحت اللاب توب وشغلت اليوتيوب على إحدى حلقات جريندايزر، فاشمئز أخي ممتعضًا، فطالبته بمشاهدة الحلقة كاملة، ثم نتحدث بعدها، شيئاً فشيئاً اندمج مع الحلقة حتى انتهت، فنظر إليّ وسألني قائلاً "هو احنا ما ينفعش نشتري جريندايزر زي ده ياعبده علشان نقتل بيه اسرائيل؟!"، فتبسمت مندهشا من سؤاله وتفكيره وتأكدت أن القضية أبداً لن تموت.