قال بكرى فى الحلقة الثانية من كتابه «لغز المشير» (تحت الطبع)، إنه فى مساء الأول من فبراير، عقد الرئيس مبارك اجتماعاً بحضور كل من عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، وأحمد شفيق رئيس الوزراء، والمشير طنطاوى القائد العام ووزير الدفاع، والفريق سامى عنان رئيس الأركان، واللواء نجيب عبدالسلام قائد الحرس الجمهورى، بينما بقى كرسى وزير الداخلية الجديد اللواء محمود وجدى، شاغراً إلى حين وصوله. فى هذا الاجتماع وجّه الرئيس اللوم إلى المشير طنطاوى بسبب البيان الذى أصدرته القيادة العامة للقوات المسلحة، وأكدت فيه تفهمها المطالب المشروعة للمتظاهرين وعدم استخدام العنف ضدهم. وعندما تساءل الرئيس عن السبب فى إصدار هذا البيان، رد المشير بأن البيان يعكس موقف القوات المسلحة المعروف برفض استخدام العنف ضد أبناء الشعب المصرى، وهو موقف ليس جديداً، بل هى عقيدة ثابتة! وعندما قال الرئيس: ولكن هذا البيان سوف يشجّع المتظاهرين على الاستمرار فى التصعيد ورفع سقف المطالب، كما أن ذلك ما كان يجب أن يتم دون التشاور مع القائد الأعلى؛ قال المشير: كان يجب أن تكون هناك خطوات عملية، لتهدئة مشاعر الغاضبين والمتظاهرين. وساعتها قال الرئيس: «ألا تدركون أنكم أنتم المسئولون عن حماية الشرعية؟!»، فرد الفريق سامى عنان قائلاً: «نحن قلنا إننا لن نتورط فى إراقة دم المتظاهرين»، وهنا قاطعه الرئيس مبارك وقال «دم.. دم إيه.. كفانا الله شر الدماء، أنا أردت فقط أن أقول إنكم حسمتم أمركم مبكراً دون العودة إلىّ بصفتى القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأكرر كلامى أرجو ألا تنسوا أنكم مسئولون عن حماية الشرعية»!! فى مساء هذا اليوم، أذاع التليفزيون المصرى خطاباً جديداً للرئيس مبارك حذّر فيه من خطر الفوضى، ووعد فيه بعدم الترشُّح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية. تميّز خطاب «مبارك» فى هذا اليوم بالعاطفية الشديدة، وهو ما دفع الكثيرين إلى الانصراف من ميدان التحرير فى اليوم التالى، ولولا أحداث موقعة «الجمل» ودور الإخوان فى إشعالها، لانتهى كل شىء فى هذا الوقت. فى الثامن من فبراير 2011، دعا نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان كبار الصحفيين ورؤساء التحرير إلى اجتماع بالقصر الجمهورى بالاتحادية، كان القصر محاطاً بمركبات عسكرية وأسلاك شائكة من كل اتجاه، وبعد انتهاء الحوار الذى استمر عدة ساعات، خرجنا للانصراف. فى هذا الوقت، التقيت المشير طنطاوى فى الصالة الرئيسية للقصر، كان فى طريقه إلى الصعود لمقابلة الرئيس مبارك، سألته عن الأخبار، فقال: ربنا يسهل، حاولت أن أحصل منه على معلومة واحدة عن سيناريو الأحداث المقبلة، فقال بابتسامته المعروفة: ماتخافش على مصر، ثم سرعان ما انصرف!! مضيت فى طريقى إلى مقر الصحيفة بوسط القاهرة، كان التوتر فى الشارع المصرى يتزايد، وكان الإخوان يدفعون المتظاهرين إلى ممارسة المزيد من الضغط على الرئيس مبارك للرحيل. فى هذا الوقت، التقى زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، مع المشير طنطاوى، وكرر عليه مجدداً القول: «شيلها يا سيادة المشير، انت توافق بس، واحنا نطرح الموضوع على الرئيس، وهو لن يمانع أبداً، هو نفسه لا يريد الاستمرار، وخايف يسيب البلد تضيع، لكن مع الجيش مش حتضيع»!! لم تكن هناك إجابة محدّدة لدى المشير، كان يعرف تماماً، أن القرار بيد الرئيس، وأن «مبارك» ما زال متمسكاً بالسلطة بفعل ضغوط داخل البيت الرئاسى، حتى إن كان لا يرغب بالاستمرار فى تحمل المسئولية.