قال بكرى فى الحلقة الثانية من كتابه «لغز المشير» (تحت الطبع)، إن المشير طنطاوي كان يريد انتقالاً سلمياً للسلطة، خوفاً من ردود الفعل وحدوث انشقاقات، وكان يعرف أن القرار لم يصدر بعد، وأن الرئيس يتعامل مع الأحداث ببطء شديد. كان الموقف فى منتهى الخطورة والحساسية، وكان يتمنّى ألا يحدث أى صدام بين الجيش والرئيس، لأنه كان يعرف خطورة ذلك وتداعياته فى ظل محاولات التربُّص بمصر والضغوط التى تمارسها الولاياتالمتحدة والعديد من الدول الغربية، جنباً إلى جنب مع جماعة الإخوان. كانت المعلومات تقول فى هذا الوقت إن الرئيس أوباما يضغط من أجل تشكيل حكومة انتقالية برئاسة «البرادعى»، وإن «مبارك» يرفض ذلك بكل قوة. بدأت الشائعات تنتشر فى كل مكان، لقد قيل: إن «مبارك» يريد إجراء تغييرات فى القيادة العسكرية والإتيان بوزير دفاع ورئيس للأركان جديدين، طرحت أسماء عديدة، إلا أن عمر سليمان حذر من خطورة أى تغيير فى المناصب العسكرية، لأن ذلك من شأنه إحداث قلاقل كبيرة داخل الجيش، كما أن «مبارك» لم يكن متحمساً لهذا التغيير الذى يحاول البعض دفعه إليه. وفى يوم الأربعاء التاسع من فبراير، التقى الرئيس بنائبه عمر سليمان، ووزير الدفاع المشير طنطاوى، فى جلسة مشتركة، وكان الهدف من اللقاء هو الاطلاع على سيناريو الأحداث، شعر المشير فى هذا اللقاء بأن «مبارك» تراجع عن وعوده بنقل السلطة إلى عمر سليمان، وأنه لا يزال مصراً على التعامل مع الأحداث الساخنة فى الشارع المصرى بنفس سياسة رد الفعل والبطء الشديد فى اتخاذ القرارات! فى اليوم التالى دعا المشير طنطاوى إلى اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان هذا الاجتماع رسالة واضحة إلى الرئيس مبارك، الذى فوجئ بعقد الاجتماع دون أن يُدعى إليه، فأدرك حقيقة الموقف، خاصة بعد صدور البيان الأول فى الساعة الخامسة وخمس وعشرين دقيقة من ذلك اليوم (الخميس 10 فبراير)، حيث أكد البيان «أن المجلس سيظل مستمراً فى الانعقاد، لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموح شعب مصر العظيم». وفى مساء الليلة ذاتها، كان خطاب الرئيس مبارك الذى اعترف فيه أن نظامه ارتكب أخطاءً عديدة، وقال إنه عازم على تصحيحها، وإنه لن يرشح نفسه مرة أخرى وإنه يفوض نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان فى اختصاصات رئيس الجمهورية على النحو الذى يحدّده الدستور. وأكد «مبارك» فى خطابه الذى جرت إعادة صياغته بطريقة مملة أنه بصدد إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة ومتابعتها، وأنه أصدر تعليماته بالانتهاء من التحقيقات فى سقوط الشهداء والجرحى وإحالتها إلى النائب العام.