بيت يسكنه أكثر من 30 أسرة ليس لهم مأوى غيره، يرجع تاريخ بنائه إلى منتصف القرن ال19، وكان يعرف باسم منزل "محمد أبو جبل الزيات"، وامتلكه بعد ذلك أحد كبار أعيان القاهرة القديمة "مدكور باشا". تعيش تلك الأسرة منذ نحو 50 عامًا، تعلقت أرواحهم بكل ركن من أركانه، حتى بعد أن تساقطت منه بعض أسقفه وتحول لمنزل غير صالح للاستخدام الآدمي، إنه بيت مدكور الأثري الذى يقع في 13 درب التبانة بالدرب الأحمر، والذي أثيرت حوله جدلًا كبيرًا الفترة الماضية بعد قرار إخلائه وهدمه من قبل محافظ القاهرة الدكتور جلال سعيد. يرى البعض أنه تراث أثري، لا بد من ترميمه والحفاظ عليه، ويشعر سكان البيت بالحزن الشديد خوفًا من رميهم في الشارع دون مأوى، وتجولت "الوطن" داخل البيت للتعرف على حكايات سكانه ورأيهم من قرار هدمه. وفي البداية، يحكي عم محمد هاشم، أحد أقدم سكان البيت: "أسكن هنا منذ عام 1994 والبيت كله أثر ولا يصح قرار هدمه، وقد جاءت وريثة البيت تطالبنا بتركه منذ عامين وعندما رفضنا الخروج، قامت بإشعال النار في أحد شققه حتى تمحي كل ملامحه الأثرية. واستكمل حديثه، في شهر ديسمبر الماضي تم إخراجنا من البيت لمدة شهرين لم نستطيع العيش ولا نقدر على الإيجار، لن نترك المكان أبدًا وإن كان الثمن أروحنا، قمنا بتسجيل البيت في 2010 على أنه أثري في هيئة التنسيق الحضاري، ولكنهم قاموا بتزوير الأوراق. وتابع: "كل المهندسين الذين جاءوا للكشف عن البيت أقروا أنه يحتاج فقط لترميم، والدكتور محمد أبو العمايم من المعهد الفرنسي قال حتى لو أصابه زلزال 10 ريختر لا يسقط"، كما توجد جمعية الحفاظ على التراث نحن معاها ونطالبها لشراء البيت للحفاظ عليه وتحويله إلى معرض للمنتجات الأثرية، وأنا مهنتي صائغ وجاري صاحب "جاليري"، وسنساهم بجزء من الترميم. وقال محمد عدلي: "اكتشفنا في الحجة الأصلية أن البيت مأخوذ وضع يد وملف البيت الأصلي مسروق"، فيما تقول الحاجة فاطمة إحدى الساكنات بالبيت: "أعيش في البيت من 30 عامًا، وتوفي زوجي وتركني وحدي منذ 19 عامًا وليس لي سكن آخر غير هذا البيت وصاحبته تريد رمينا في الشارع، لا أود العيش عند أحد من أبنائي فكل منهم يحمل همه وأولاده فقط، ولن أترك البيت الذي عشت عمري فيه ولو طلبت إيجار زيادة ندفع". واستكملت السيدة حديثها قائلة: "هذا البيت من 30 سنة كنت لا تراه مثيله وجماله في أي مكان، كان لا يسكنه أي شخص، في حالة طردنا من البيت يجب توفير سكن لنا من قبل الحكومة، إحنا مش طمعانين في حاجة غير سكن يلمنا". ويعود عدلي للحديث مرة أخرى، مقاطعًا "الحاجة فاطمة" صاحبة البيت حصلت على قرار هدم في 2011، وبدأنا الطعن فيه من مجلس الدولة ولكنها استخدمت وسطتها وحصل على رخصة الهدم وقرار الإخلاء، ولكن كل هذه القرارات لا يجوز تنفيذها ما دام البيت يسكنه أشخاص فهو يحمل أكثر من 30 أسرة". يوم التنفيذ الجبري لقرار الإزالة جاء المأمور ورئيس الحي وصاحبة البيت والمقاول وقام المقاول بأمر من صاحبه المنزل بهدم جزء منه ونحن بداخله، وقمنا بفتح محضر تم التحفظ عليه في النيابة. وقال مسؤول من وزارة الآثار أعطني فناء البيت فقط وأنا أثبته أثر يحتوي البيت على "شوخشية (صحن البيت)، تختابوش (نقوش أثرية)، وجهة البيت، الحريمات "مدخل مستقل"، و8 مداخل مستقلة، وفي كل شقة تحفة فنية والشيش معمول بنظام الميكنة لم يوجد الآن. يتابع حديثه: "أرسلنا لوزارة الآثار واكتشفنا أن أحد الموظفين أعطى الست ختم أن البيت لا تراث إسلامي ولا قبطي"، متهمًا صاحبة البيت، بأنها أحرقته بعد أحداث ثورة 25 يناير، حتى لا يسجل أثرًا. ويقول محمد نسيم، شاب من سكان البيت، نحمل قرارت أن البيت تراث إسلامي متميز، ولكن لم يسأل فينا أحد لا شرطة ولا حي، ما زال الفساد يملأ الدولة، ولم يتغير شيء، "كله بالفلوس يمشي"، أجبرونا على الإخلاء وتعرضنا للإهانة من قبل أمناء الشرطة. ويزعم نسيم، أن الهدف من هدم البيت التنقيب على الآثار التي توجد تحته، قائلًا: "كل منطقة الدرب الأحمر تحتها سراديب ورخام أبيض لا يوجد الآن، ويصل حتى القلعة ورأيناه بأعيننا عند توصيل مواسير الصرف". ووسط الحديث مع أهل البيت، كان صخب الأطفال، وهم يلعبون الكرة في فناء المنزل، ملفت للنظر، فاقتربت منهم كاميرا "الوطن"، وتحدثت إليهم، وأبدوا رفضهم التام لترك المنزل، الذي تربوا داخله ونشأوا فيه: "إحنا مش عايزين شقة، إحنا اتولدنا واتربينا هنا مش عايزين نخرج اتعودنا على المكان، وبنحبه وفيه أصحابنا وقرايبنا". "محتاجين وزير الآثار يتحرك"، رسالة أخيرة قالها سكان "بيت مدكور"، مطالبين الدكتور ممدوح الدماطي، وزير الآثار، بسرعة التحرك لإنقاذ التراث المصري من أيدي العابثين به.