سيطر تنظيم "داعش" بشكل كامل، على مدينة تدمر الأثرية في الصحراء السورية، بعد منتصف الليل، ما يثير مخاوف جدية على الآثار القيمة الموجودة في المدينة والمدرجة على لائحة التراث العالمي. وتفتح هذه السيطرة الطريق أمام التنظيم الجهادي، نحو البادية السورية الممتدة من محافظة حمص (وسط) حيث تدمر حتى الحدود العراقية شرقا، وبالتالي بات التنظيم يسيطر على نصف مساحة سوريا الجغرافية تقريبا. وقال مدير المرصد السوري، رامي عبدالرحمن، اليوم: "انتشر عناصر تنظيم (داعش) في كل انحاء المدينة، بما فيها المنطقة الأثرية جنوب غربها والقلعة في غربها". وتحدث الناشط محمد حسن الحمصي، المنحدر من تدمر لوكالة "فرانس برس"، عن "انهيار قوات النظام التي انسحبت من معظم المواقع من دون مقاومة تذكر". وأعلن "داعش"، عبر أحد حساباته على موقع "تويتر"، أنه سيطر على تدمر، وجاء في الإعلان "من الله عز وجل على المجاهدين في داعش، بإكمال السيطرة على مدينة تدمر بالكامل، بعد انهيار قوات النظام النصيري وفرارهم مخلّفين وراءهم أعداد كبيرة من القتلى"، كما أقر الإعلام الرسمي السوري من جهته بانسحاب قواته. وجاء في خبر لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، "انسحبت قوات الدفاع الشعبي من أحياء تدمر، بعد تأمين خروج معظم الأهالي، واستقدام تنظيم (داعش) الإرهابي أعداد كبيرة من إرهابييه". وانسحبت معظم قوات النظام في اتجاه مدينة حمص، بحسب المرصد الذي أشار إلى أن "قسما من السكان نزح إلى حمص، بينما لازم آخرون منازلهم". وبدأ التنظيم هجومه في اتجاه مدينة تدمر في 13 مايو، وسيطر على مناطق محيطة بها خلال الأيام الماضية، بينها بلدة السخنة وحقلان للغاز وسط معارك ضارية مع قوات النظام، وتمكن من دخول المدينة بعد ظهر أمس وتقدم فيها سريعا. وكان سجن تدمر والمطار العسكري (شرق) وفرع البادية للمخابرات العسكرية (غرب)، آخر المواقع العسكرية التي دخلها التنظيم ليلا. ولم يعرف بالتحديد مصير نزلاء سجن تدمر، الذي وصفه الناشط محمد الحمصي على حسابه على موقع "فيس بوك" ب"قبر كبير"، وهو سجن ذاع صيته في الثمانينات بسبب ممارسات القمع التي حصلت فيه على يد نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد. وبحسب المرصد، أسفرت معركة تدمر التي استمرت 8 أيام، عن مقتل 462 شخصا على الأقل، هم 71 مدنيا بينهم 49 أعدموا بإطلاق النار عليهم، أو بقطع رؤوسهم لاتهامهم ب"العمالة مع النظام"، و241 من قوات النظام وقوات الدفاع الوطني الموالية لها، و150 عنصرا من تنظيم "داعش". ويثير دخول التنظيم الجهادي إلى المدينة العريقة قلقا في العالم، إذ سبق للتنظيم أن دمر وجرف مواقع وقرى أثرية في سوريا وفي العراق خصوصا، بينها آثار الموصل ومدينتا نمرود والحضر التاريخيتان. وعبرت المديرة العامة لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، أمس، عن "قلقها الشديد" إزاء دخول تنظيم "داعش" المدينة، وطلبت من "المجتمع الدولي أن يبذل كا ما بوسعه لحماية المدنيين وحماية تراث تدمر الثقافي الفريد". وكانت تدمر قبل اندلاع الأزمة السورية في 2011، الوجهة الأساسية للسياح في سوريا، إذ كان يزورها سنويا أكثر من 150 ألف سائح. وقالت مها قندلفت، المسؤولة في شركة أدونيس للسفر والسياحة، وهي من أبرز الشركات في القطاع السياحي السوري، لوكالة "فرانس برس": "كانت مكاتب السياحة العالمية تطلب إدراج تدمر على راس المعالم الأثرية في برامج الرحلات". وأضافت قندلفت "كانت حجوزاتنا (في المنشأة السياحية التي تملكها الشركة في تدمر) كاملة لمدة عام، ما كان يضطرنا إلى الحجز في فنادق أخرى في المدينة". وفتحت السيطرة على تدمر الطريق للتنظيم على البادية السورية، حيث لا يزال النظام يحتفظ فقط ببعض المواقع العسكرية، بينها 3 مطارات عسكرية "س 1" و"س 2" ومطار تيفور العسكري. وقال عبدالرحمن: "بات التنظيم بعد سيطرته على كامل منطقة تدمر والغالبية الساحقة من البادية السورية، يسيطر على أكثر من 95 ألف كلم مربع من المساحة الجغرافية لسوريا"، ما يوازي نصف مساحة البلد، وإن كانت هذه المساحة لا تضم الغالبية السكانية. ويتواجد التنظيم في نحو 30% من محافظة الحسكة (شمال شرق) وفي محافظة الرقة (شمال) باستثناء بعض القرى التي استولى عليها المقاتلون الأكراد، وفي كامل محافظة دير الزور (شرق)، باستثناء نصف مدينة دير الزور ومواقع أخرى محددة للنظام، والجزء الشمالي الشرقي من محافظة حلب (شمال) باستثناء بلدة عين العرب (كوباني) الكردية ومحيطها، كما بات له تواجد كثيف في ريف حمص الشرقي من تدمر إلى الحدود العراقية، وفي ريف حماة الشرقي (وسط). وبات "داعش" يسيطر على "الغالبية الساحقة من حقول النفط والغاز في سوريا"، بحسب المرصد، وبقي خارج سيطرته حقل "شاعر"، الذي تسيطر عليه قوات النظام في ريف حمص الشرقي، وحقول رميلان التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية في ريف الحسكة.