بعد أن أدلت "أحلام" باسم وبيانات زوجها، فقد قامت الشرطة بالكشف عنه في سجل المهاجرين بتلك البلدة لمعرفة عنوانه ومن ثم استدعائه وقد كان. وما أن دخل مكتب التحقيق ورأى "أحلام" إلاَّ ولاح التعجب في عينيه وغمغم: - ماذا أتى بكِ إلى هنا؟! فأمره الضابط أن يدعها وشأنها ثم أردف قائلاً: - أنت مُتهم بالاعتداء على هذه الفتاة! فأجاب بالصوت المليء بالثقة: - إنها زوجتي يا حضرة الضابط! فاستطرد الضابط قائلاً: - لكنها أخبرتنا أنك مارست معها العلاقة دون رضاها. فانتفض الزوج كالملدوغ وهتف: - يا كاذبة..يا لكِ من مُدّعية آثمة. فقالت له بصوتٍ باكٍ: -لست كاذبة وأنا على أتم استعداد أن يتم الكشف الطبي عليّ الآن كي يتأكدوا بأنفسهم! فلكزتها المترجمة لتسكت إلى أن ينتهي الضابط من التحقيق معه، فقاطعهما الضابط وقال بتحدٍ: - كفى! فهز الزوج منكبيه العريضين كأنما يقول: - الأمر لله! ثم قال بلهجة من يقصد دفع التهمة عن نفسه: - لقد فعلت بزوجتي كما يفعل كل الأزواج بزوجاتهن، وليس ذنبي أنني لست خبيرًا بالمداعبة ومثل هذه الأمور. فليس لي تجارب سابقة، لأنني أخشى الله وأخاف الوقوع في الخطأ، لهذا فكّرت بالزواج بمجرد أن سمحت ظروفي المادية، وعندما فكّرت به فكّرت في الارتباط بفتاة عربية مُسلمة من فتيات قريتي بمصر. واعترته لحطة حزن فأدار وجهه نحو المترجمة قائلاً: - ليس ذنبي أنني وُلدت بين المعدمين مما اضطرني إلى الهجرة إلى بلاد غير بلادي.. ليس ذنبي أنني بلا ظهر وبلا واسطة كي أحصل على تأشيرة حياة آدمية في بلاد النيل.. وأختار شريكة العمر وحدي! صدقيني يا أستاذة "ناهد"، كنت أتمنى أن أذهب لخطبتها بنفسي ونختار سويًا الدبلة والشبكة ونحلم بعش الزوجية كمُعظم المقبلين على الزواج.. لكن ليس ذنبي! ولست على استعداد بأن أعود مصر فيُجبرونني على أداء الخدمة العسكرية التي تهرّبت منها منذ سنوات؛ فالوطن الذي حرمني من كل شيء..لا يستحق أن أمنحه أي شيء! ولوهلة أعتقدت المترجمة أن أهل الفتاة ربما درّبوها جيدًا على هذه الأفعال.. أي أنها قبلت بالزيجة فقط لتجد مخرجًا للهجرة من مصر، ومن ثم الانطلاق كما يحلو لها، أو أن أهلها شجّعوها على ذلك كي تخفّف أعباء الأسرة بتخفيف عدد أفرادها.. وبعد أن قامت بالترجمة للضابط فقال واجمًا: - ومَنْ قال إن إيطاليا أفضل حالاً؟! فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد تغيّرت كثيرًا عمّا مضى، ومِنَ الجهل أن يظل بعضكم يحلم بالوصول إلى أراضينا كما لو أنها جنة الخلد! فقال الزوج المكلوم: - نعم، أدرك أن الأوضاع في إيطاليا تغيّرت لكنها تظل أفضل من مصر كما أدرك أن هناك الكثير من الصفات المشتركة بينها وبين مصر، خاصة في أقسام الشرطة التي أُهنت بها في كل مرة كان يتم القبض عليّ فيها بسبب عدم حيازتي لأوراق إقامة رسمية في بداية حياتي هنا.. الضابط في اضطراب ظاهر: -ماذا تقول..أجُننت؟! فأقسام الشرطة بإيطاليا لا إهانة ولا ضرب بها بل تقديس للقوانين! ثم دفعه الضابط أمامه وهو يقول: - سِر أمامي ولا تفتح فمك! يحتجز الزوج خلف القضبان، وتُنقل أحلام لإحدى دور رعاية صغار السن.. وخطوات شابة تتتشتّت سعيًا وراء مُستقبل أبيض يتحوّل لأخطاء في التقدير لحاضرٍ مُعتم. وتجد المترجمة صعوبة في الاهتداء لصاحب الملامة مَنْ هو؟! الفتاة الغِرَّة أم الشاب المتشبث قسرًا بأسباب الحياة.. أو ربما هي العائلة المحسورة أو حكوماتنا المحيّرة! شيءٌ مُحزن يندرج بقسوة تحت قائمة بغيضة.. قائمة الأحزان والنكبات والبلايا!.