بعد أن اصبحت مصر تستيقظ كل يوم على مشاهد الذبح وقطع الرؤوس مع التكبير والتهليل علي ايد من يلثمون وجوههم ويحملون إعلام كتبت عليها "لا اله الا الله محمد رسول الله"، ربما أدرك النظام أخيراً أن حل المشكلة لا يأتي بجز الساق أو العنق تاركاً الجذور فى الارض تمتص له الغذاء ليعود ذألك النبت الشيطاني للحياة وينمو ويتشعب فيها من جديد، فالحرب على الارهاب المسلح الذي يتبنى منهج التفجيرات والقتل منذ أن خرج من سيناء وأصبح يهددون حياة المواطن المصري في كل أقاليم الجمهورية ليس سوي جزء من حرب أكبر وهي حرب فكرية عقائدية فى الأساس تجد لها من داخل أطار الدين ما تبرر به أفعالها الهمجية وتتخذ من بعض الآيات القرآنية والأحاديث ذريعة لأفعالها في بعد كامل عن أسباب النزول والمكان والزمان وهي الأساسيات التي يعتمد عليها المفسرون فى تفسير النص، ما يفقد النص معناه ومن هنا تبدأ المشكلة. في الأول من يناير وعلى غير العادة كانت إشارة بداية الثورة الجديدة مع رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي والذي استغل احتفالية المولد النبوي الشريف وطالب بكل صراحة وجراءة من داخل الأزهر ب" ثورة دينية" وبضرورة تحمل الأزهر لمسؤوليته التاريخية فى تجديد الخطاب الديني قائلاً: "الفكر اللي بنقدسه ده يدفع الامة دي بالكامل ان هيه تبقي مصدر للقلق والخوف والقتل و التدمير في الدنيا كلها ... أنا مش بقول الدين انا بقول الفكر ده اللي تم تقديسه نصوص وافكار تم تقديسها علي مئات السنين واصبح الخروج عليها صعب قوى لدرجة ان هيه بتعادي الدنيا كلها" . بالرغم من تعويل الرئيس علي مؤسسة الأزهر في قيادة الثورة الدينية - كما أسماها- لما لها من تاريخ سابق في مواكبة العصر وتجديد الخطاب الديني وخاصة مدرسة الأمام "محمد عبده" التي كان لها إسهام كبير في هذا المجال أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث قال لهم نصاً " انا بقوله قدام رجال الدين والله لاحا جيكم يوم القيامة امام الله علي اللي أنا بقوله"، وانتظر الرئيس خطوة من الأزهر في طريق إنتاج خطاب ديني عصري مستنير يكون بداية إصلاح عقول الشباب بعد عصور طويلة من تعرضهم لقنوات نجوم الفكر "السلفي الوهابي" التي كانت بداية لنشر الافكار التكفيرية والتطرف بين أبناء الوطن الواحد، إلا أنهم خذلوه. كان رد الأزهر بحذف الدروس التي تبيح أكل لحم الأسير، وتوقف الأزهر بعدها عاجز أن يخرج من الإطار الذي عاش فيه لعقود طويلة بعد انتهاء عصر الأمة المجددين وأصبح قيادات المؤسسة الأزهرية أسيرة ما تربت عليه من موروثات ثقافية أصبحت بشكل أو بآخر جزء لا يتجزأ من مؤسسته، ليلجأ بعدها الرئيس لرموز المجتمع من الكتاب وأصحاب الرأي والإعلاميين.