الإعلام صناعة إبتكارية، و خاصة في ظل نشأة الإعلام الألكتروني الذي هو من المفترض عدم خضوعه لقواعد الإعلام العادي المعتاد و الذي كان حكراً على العاملين في الصحافة و الإعلام التلفزيوني والإذاعي لما يمتلكونه من أدوات خاصة لمزاولة هذا النشاط ، فجاء الإعلام الإلكتروني ليؤسس من داخله فكرة المواطن الصحفي الذي يحمل أداته الإعلامية أينما ذهب و وقتما شاء . و لكن، إذا أردنا أن نقنن هذا العمل ، ليس من الباب الرقابي ، بل من منطلق جعله مهنة إحترافية في عمل مؤسسي لإيصال رسالة أو بلوغ هدف معين ، يجب أن أن نعرف ما هي الأسانيد التي نرتكز عليها فتدعم هذا العمل . يجب أن يستند الإعلام الحديث على مناعة و حصانة تامة ، ضد التعتيم و التكميم و الوقف و الإغلاق ، تعني هذه الحصانة ايضاً ان تكون ضد الهرطقة و التسطح و التشهير . للإعلام أيضاً حصانته الجماهيرية من منطلق كونه السلطة الرابعة التي يلجأ إليها المواطنون لتوصيل أصواتهم لمن لا يسمعهم ، و من داخل هذه السلطة يلجأ القائمون عليها في الغالب لتمرير قضايا معينة إلى الرأي العام لإشغاله عن قضايا أخرى قد تكون هي الأهم و الأكثر قيمة ، فتضيف إلى قائمة التعتيم و التكميم أصوات كثيرة ، كل ذلك يحدث من خلال سيطرة العديد من رؤوس الأموال ذوي المصالح المشتركة مع الجهات السيادية على منابر الإعلام. من أسانيد الإعلام أيضاً تحري الدقة في المحتوى و المنقول ، فليس كل ما يُعرف يُقال ، و ليس كل صاحب صوت هو على حق بالضرورة ، فنقل المحتوى الكاذب و الاحتيالي إلى داخل البيوت عبر شاشات التليفزيون مثلاً لا يؤدي إلا لنشوء فتن و تضاربات آراء لا يعلم منتهاها إلا الله . لا يبرر ذلك تجاهل القائمون على الإعلام وضع ميثاق مهني ، فإن ذلك لا يشير إلا لرغبتهم الغير مفهومة في استمرار الفوضى الإعلامية و الكلامية المتفشية في جميع وسائل الإعلام المرئي و المسموع و المقروء، لاستمرار تحكمهم في مقاليد الأمور و الرؤى الإعلامية ، فالحرية في الإعلام بلا قيود و حصانته باستخدامها الحالي و كما ينتهجها الكثير من الشخصيات المسيطرة على الساحة الإعلامية تضر أكثر مما تفيد لمشروع الدولة التقدمي الراغب في النهوض بالبلاد و في ظل الانفتاح الإعلامي و الكلامي نحتاج لتجديد لغة الخطابة العامة و التي انحدرت في الآونة الأخيرة مستغلة الحرية المزعومة في الإعلام . نحتاج إلى لغة تنويرية أكثر منها هجومية و متصيدة للأخطاء لغة التنوير لا تحتاج إلى الأصوات العالية أو استخدام الألفاظ الجارحة في مواجهات أصحاب الفكر المخالف ، في وقتنجد أن غالبية من يمسكون بدفة الأمور في الفضاء الإعلامي خارجين بشكل غير مألوف عن نطاق الحيادية و المعقول . الأمر لا يتعدى العودة إلى الأخلاق التي لا تنفك تدعو إليها كافة الأديان ، فالإعلام هو منبر الدعوات الدينية كما هو في القضايا السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ، هو صوت المواطن الغني و القوي كما هو للمواطن الفقير أو المستضعف . عودة الالتزام هي الباب السحري نحو الاستقرار الوطني الذي نأمل إليه حتى في عرض القضايا الحساسة و الخطيرة ، فهل من مستجيب!.