عدد من التعديلات لقانون تنظيم الجامعات وافق عليها مؤخراً قسم التشريع بمجلس الدولة، أخطرها ذلك التعديل الخاص بالمادة (189) الذى ينص على: «تتصرف الجامعة فى أموالها وتديرها بنفسها، بما فى ذلك المساهمة فى إنشاء ودعم الجامعات الأهلية أو القيام منفردة، أو بالاشتراك مع القطاع الخاص والأهلى، بالمشروعات ذات الطبيعة التعليمية أو البحثية أو الابتكارية، وغيرها من المشروعات الخدمية أو الإنتاجية من أجل استخدام البحوث التطبيقية والنهوض بالمجتمع، وكذلك توفير موارد ذاتية للجامعة، للنهوض بأغراضها فى التعليم والبحث العلمى والتنمية وخدمة المجتمع». لا خلاف على إيجابية منح الجامعات قدراً من الاستقلالية فى إدارة أموالها ومواردها لصالح العملية التعليمية والبحثية، لكن إذا تأملت العبارات التى أعقبت الجملة الأولى من هذا النص بقليل من الانتباه فسوف تلاحظ أنها تحمل فى طياتها بداية النهاية لفكرة «المجانية» فى التعليم الجامعى، فتمكين الجامعات الحكومية من إنشاء جامعات أهلية بمفردها أو مع القطاع الخاص، يعنى التمهيد للتحول من فكرة «التعليم المجانى» إلى «التعليم بمصروفات»، وقد يقول قائل إن «التعليم الأهلى» أو «الجامعات الأهلية» هى جامعات غير هادفة إلى الربح، لكن ما الرأى بالنسبة ل«القطاع الخاص» الذى نصّت المادة عليه صراحة، ومنحت الجامعات الحكومية حق مشاركته. الزحف سوف يبدأ بطيئاً ومتأنياً، أو قل إنه بدأ منذ عدة سنوات من خلال إنشاء برامج تعليمية (باللغة الإنجليزية فى الأغلب) بمصروفات داخل عدد من الكليات، وبوجود هذا التعديل سوف يتسع الأمر أكثر وأكثر، من خلال إنشاء كلية موازية بمصروفات داخل كل كلية من كليات الجامعات الحكومية، ليكون عندك كلية «مجانية» وأخرى ب«مصروفات»، قد تتعادل أو تزيد عن المصروفات التى يدفعها الطالب فى الجامعات الخاصة، ولا خلاف على أن الطالب الذى يتعلم بمصروفات سوف تكون له الحظوة والمكانة التى تيسر له كل إمكانيات الرفاهة التعليمية، بداية من المدرجات المناسبة، ومروراً بتسليمه الكتب الدراسية، رغم تناقض ذلك مع طبيعة وفلسفة التعليم الجامعى، وانتهاء بتمكينه من «التدريب» بصورة لن تتاح -فى الأغلب- للطالب «ماركة المجانى». ومن لا يصدق ذلك ليس عليه سوى أن يستطلع المميزات التى يتمتع بها الطالب الملتحق بأحد البرامج التعليمية «المدفوعة» بأى من كليات الجامعات الحكومية. أنا أعلم أن الجامعات تعانى، وأنها تحتاج إلى موارد كى تنهض بمستوى الخدمة التعليمية التى تقدمها للطالب، ولتمويل البحوث العلمية المتميزة القادرة على الإضافة للمجتمع، لكن «خصخصة» التعليم ليست هى الحل. ولو كان الأمر كذلك، لأفلحت الجامعات الخاصة أو البرامج التعليمية المدفوعة بالجامعات الحكومية فى إضافة شىء مميز إلى نوعية الخريجين. بإمكان التعديل القانونى المذكور أن يزيد حجم «البزنسة» فى التعليم، لكنه بحال لن يؤدى إلى تطويره. بمقدورى أن أتفهّم أن الدولة المصرية تعانى حالياً من ضعف الموارد، وعجز فى الموازنة، وعدم قدرة على الوفاء بواجباتها نحو المواطن، لكن على القائمين عليها أن يتفهموا حقيقة أن التعليم الجامعى المجانى «استثمار» تصب عوائده فى النهاية لدى الدولة، يكفى أن نشير فى هذا السياق إلى أن تحويلات المصريين فى الخارج أهم مصدر للعملة الأجنبية فى بلادنا. والمتعلمون من هؤلاء جلهم من «الغلابة» من خريجى الجامعات الحكومية!