من الغباء أن تكون على علم بأن مخططاً ما يحاك لك، ثم تنزلق بإرادتك فيه. هذا ما تفعله إيران بالضبط الآن، فأطماعها فى منطقة الخليج العربى، وأحلامها فى عودة الإمبراطورية الفارسية القديمة، وإحساسها بأن الولاياتالمتحدة رضخت لها وجلست للتفاوض معها حول برنامجها النووى بعدما كانت تهددها، كانت عوامل رئيسية فى إصابتها بالغرور ودفعتها لإشعال المنطقة كلها بصراع مذهبى بين السنة والشيعة. وهذا الصراع بدأ فى العراق بدافع من الولاياتالمتحدة، ثم فى سوريا. وإيران الآن تتبرع بإكمال المخطط الأمريكى وتسعى لمد هذا الصراع لباقى دول الخليج العربى مروراً باليمن ودعمها للحوثيين هناك، وما يحمله ذلك من مخاطر وتهديدات للأمن القومى العربى. ولا يمكن الظن بأن إيران كانت تقوم بهذا الدعم، وهى تظن أن الأمر سيمر بسلام، ولكنها كانت تثق فى أن الأمر سيكون له رد فعل عربى أياً ما كان هذا الرد. وقد كان من الضرورى توجيه ضربة عسكرية عربية للحوثيين فى اليمن بعد القلاقل التى أثاروها، بما يمثله ذلك من خطورة بالغة على الأمن القومى العربى. وهو أمر يمثل اتفاقاً بين غالبية الدول العربية، حيث شاركت قوات 10 دول عربية فى هذه الضربة الجوية والبحرية. وليس من قبيل المبالغة أن نصف تلك الضربة بأنها شر لا بد منه، فليس سهلاً على الإطلاق تصور أن السلاح العربى يستخدم فى دولة عربية ولكنه قدرنا، فقد حدث ذلك قبل 25 عاماً حينما احتلت العراق الشقيقة الكويت، وكان من الضرورى وقتها تسديد ضربة شارك فيها العرب بنسبة كبيرة. ولا يوجد عربى واحد مخلص لعروبته سعيد بما جرى فى اليمن، أو بما ترتب على ذلك من رد فعل. ولا يوجد عربى واحد لا يشعر بالقلق من تطور الأمور لأكثر مما يحدث، فالمخططات التى كانت ولا تزال، تحاك ضد المنطقة بأسرها، والانخراط فى حرب مذهبية قد يستمر عقوداً طويلة. ولكن لم يكن ممكناً أبداً أن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدى أمام انهيار دولة عربية وتغيير هويتها بين يوم وليلة. ويخطئ من يظن أن تلك الضربة العسكرية العربية ضد الحوثيين تستهدف إبادة الحوثيين، فهذا أمر مستحيل التفكير فيه، ولكنها ضربة يجب أن تؤدى بالنهاية إلى اتفاق سياسى جديد يؤدى لتهدئة الأوضاع وتثبيتها عدة سنوات أو عقود لمصلحة اليمن الشقيق والأمن القومى العربى، فمن الوارد جداً أن ينتهى الأمر باتفاق على نسبة مشاركة فى الحكومة والبرلمان، وهذا أمر تحسمه المفاوضات، وإذا انتهت هذه الضربات العسكرية بهذه النهاية السياسية ستكون الضربة قد نجحت وحققت أهدافها لا محالة. ولكن -لا قدر الله- لو تطورت الأمور أكثر فأكثر، واستمرت إيران وحزب الله فى عنادهما الواضح وتصريحاتهما المستفزة، فقد تتطور الأمور لحرب مذهبية لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى. وفى هذا اختصار لجهد كبير من جانب قوى غربية تريد أن نصل لهذه النتيجة. وكثير من شعوب المنطقة لا يريدون الحرب بأى شكل من الأشكال، ويتهيبون من فكرة الانخراط فى حرب برية، ويفضلون الاستمرار فى الضربات الجوية والصاروخية لحين الانتهاء إلى اتفاق سياسى عاقل، وإلا سيكون الحوثيون قد نجحوا فى جر الأمة العربية لصراع مذهبى لن يستفيد منه إلا إسرائيل والقوى الغربية التى تريد امتلاك ثروات ومقدرات العالم العربى والهيمنة عليها. على قدر تأييدى للضربة العسكرية العربية لليمن، يأتى تخوفى من التحول لحرب برية ستضر الجميع. فقد كانت الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها. ولكن هذه التحركات المريبة فى المنطقة تجعل من أمر تكوين قوة عربية موحدة أمراً حتمياً واستراتيجياً، فلا يمكن أن يتصور أحد أنه بمعزل عن المؤامرة أو أن الفتنة لن تصل إليه أو أنه قادر على التصدى لها بمفرده. ورغم تفاؤلى الأولى بإقرار مبدأ هذه القوة فى القمة العربية الأخيرة، فإن الإقبال الأولى العربى على المشاركة فى هذه القوة ما زال ضعيفاً ومحدوداً، وإن كان الأمل معقوداً على أن يسفر اجتماع رؤساء الأركان العرب خلال الأسابيع المقبلة عن اتفاق يدفع الدول المتحفظة على الانضمام، ومن المؤكد أن هذه هى صمام الأمان الوحيد الذى يمكن أن يحافظ على ما تبقى من أمن قومى عربى.