«إنى أغرق أغرق أغرق.. إن كنت صديقى ساعدنى كى أرحل عنك»، كلمات نزار قبانى التى غناها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فى حياته، أصبحت خير تعبير عن حاله بعد مماته بسنوات طويلة، فلم يكن يعلم أن المياه الجوفية فى منطقة البساتين ستُغرق مقبرته. وفى الأيام التى تحل فيها ذكرى «العندليب» ويحتفى العالم العربى بموهبته وتتداول القنوات والإذاعات أغنياته العديدة، لا يلتفت أحد لجسده المدفون فى مقبرته بشارع الرحمة وسط مقابر حى البساتين، وقد كادت المياه الجوفية ومياه الصرف الصحى أن تُغرق جسده بعد أن وهب روحه لأبناء هذا الشعب، ولم يهتم أحد بمرقده الأخير. «الوطن» انفردت بتتبع محاولات إنقاذ جسد «العندليب» من الغرق، وعمليات ترميم مقبرته التى تداعت بفعل الزمن. وفى رحلتنا للمقبرة التى تجاورها مقابر أم كلثوم وإسماعيل يس وحسين رياض وأنور وجدى والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والتى دفعت البعض لإطلاق مسمى مقابر المشاهير على هذه المنطقة، اكتشفنا تحولاً كبيراً فى طبيعة المنطقة التى تحولت من مقابر يخيم عليها الهدوء والسكينة إلى منطقة شبه صناعية مع وجود كثير من الحرفيين الذين يقومون بعملهم وسط المقابر، بخلاف بعض السكان الذين يجاورون الموتى، إلى جانب كثير من مخلفات الحرفيين والسكان التى تملأ الشوارع. وفى شارع الرحمة، أمام مقبرة عبدالحليم حافظ التى تُعتبر مزاراً لآلاف المعجبين به مع حلول ذكراه، التقينا ابن شقيقه محمد شبانة، وقال: «ضريح عبدالحليم حافظ يُعد مزاراً سياحياً يأتى إليه محبوه من كل أنحاء الوطن العربى، ومنذ سبع سنوات اكتشفنا أن المياه بدأت تتغلغل فى المقابر وتُغرق الكثير منها بخلاف تهدم بعضها، لذا تحركت على الفور مع زينب ابنة عمتى علية، وتوجهنا إلى دار الإفتاء للحصول على فتوى شرعية لفتح المقبرة وإخراج جثمان حليم وعائلته، وبالفعل حصلنا على الإجازة وتوجهنا إلى مركز الحد من المخاطر بكلية العلوم جامعة القاهرة، الذى قام بكشف رادارى لحجم المياه فى منطقة مقابر البساتين، وهل وصلت المياه إلى مقبرة عبدالحليم حافظ أم لا، فتبين أن المياه الجوفية ومياه الصرف الصحى أغرقت أغلب المقابر المجاورة فيما عدا مقبرة حليم لوجود طبقة صخرية منعت وصول المياه إليها، ولكن المقبرة ما زالت فى خطر لأن المياه لا تبعد عن الجثمان بأكثر من متر ونصف تقريباً، ومن الممكن أن يغرق إذا اشتدت المياه، لذا قمت ومعى أسرة شبانة بتحمل ترميم المقبرة على نفقتنا الشخصية بعد أن تجاهلت الدولة عملية ترميم المقبرة، وبالفعل قمنا بترميمها للمرة الأولى عام 2007 بعزل المقبرة على عمق متر ونصف ثم عزلها من الجانبين، ولكن بعد سنوات من عملية الترميم ارتفعت المياه الجوفية مرة أخرى وأغرقت جميع مقابر البساتين، نتيجة ارتفاع منسوب مياه منطقة عين الصيرة بسبب الإنشاءات العمرانية الجديدة القريبة، وهو ما اضطرنا لترميم المقبرة للمرة الثانية، تحت إشراف المهندس مصطفى عبدالفتاح الذى قام بهدم المقبرة بالكامل بعد أن قمنا بعمل لحد شرعى بجانب المقبرة للحفاظ على الجثمان، وبناء المقبرة من جديد بعد عزلها بالكامل من جميع الجوانب بعمق يصل إلى مترين تحت الأرض وإحاطتها بمادة خرسانية لحمايتها من المياه كأنها غواصة تحت الأرض للمحافظة على المقبرة لأطول فترة زمنية ممكنة». وقال المهندس مصطفى عبدالفتاح الذى تولى ترميم المقبرة: «عندما عُرض علىّ ترميم مقبرة عبدالحليم حافظ، قلقت قليلاً لأننى لا أقوم بتنفيذ هذه النوعية من الأعمال الإنشائية، ولكنى وافقت لأنها ليست مجرد مقبرة لشخص عادى، بل هى مقبرة الراحل عبدالحليم حافظ وتنفيذى لها شرف لى وإضافة كبيرة فى مجال عملى، واستطعت أن أحافظ على جثمان عبدالحليم وجثامين أسرته من خلال لحد شرعى، قبل أن أهدم المقبرة بالكامل لأن الهبوط بسبب المياه الجوفية تسبب فى انفصال جدران المقبرة عن السقف والسلالم المؤدية إلى حجرة الدفن تهدمت، ثم قمنا بالبناء بعد التأسيس بالخرسانة والبناء بشكل دائرى، وبعد انتهاء عملية البناء قمنا بعزل الأرض وصب طبقة خرسانية أخرى للحفاظ على المقبرة وعزل الحوائط من كل الجوانب، وقمنا بإعادة الشكل الأول للمقبرة التى تحتوى على 4 غرف دفن كما كانت».