عاش محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمى القرشى فى قومه أربعين عاماً قبل أن ينزل عليه وحى السماء ويختصه الله ويكلفه بتبليغ رسالته للناس كافة كآخر الأنبياء والرسل المرسلين.. وكان أهل مكة طوال حياته بينهم خلال الأربعين عاماً هذه لفرط صدقه وأمانته ينعتونه ويلقبونه بالصادق الأمين.. ولكن بعد جهره برسالته بعد أن كان يدعو لها سراً قرابة ثلاثة أعوام، انقلبت قريش وقبائل مكة بأسرها عليه ونعتوه بالكذب مرة والسحر مرة والجنون مرة وانهالوا عليه وعلى أتباعه سخريةً واستهزاءً وتكذيباً وإيذاءً حتى وصل بهم الحال إلى أنهم كانوا يقذفونه بقاذوراتهم وهو يسير فى طرقات مكة.. وكذلك بلغ إيذاؤهم البدنى والمعنوى له أنهم أغروا عبيدهم وسفهاءهم فكانوا يقذفونه بالطوب والحجارة.. وكانوا جبارين فى التنكيل بأتباعه وتعذيبهم أشد العذاب، خاصة الضعفاء منهم.. ووصل بهم الأمر إلى أن ألحوا على عمه أبى طالب كى يسلمه لهم كى يقتلوه مقابل أى تعويض يرتضيه وترتضيه بنو هاشم.. وبلغ بهم العداء له ولأتباعه ولبنى هاشم (قبيلته) أن كانت منهم المقاطعة الاقتصادية لتجويعه وأتباعه وبنى هاشم وعلقوا بذلك «صحيفة المقاطعة» على جدار الكعبة من داخلها.. ووصل بهم الجبروت والعداء له ولرسالته السماوية إلى أن تآمروا على قتله قبيل الهجرة باتفاق دار الندوة بأن يتخيروا رجلاً قوياً من كل قبيلة ويتربص به هؤلاء الرجال عند بيته ويضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل.. فلا تملك بنو هاشم إلا قبول ديته من القبائل لأنها لن تستطيع محاربة وعداء كل القبائل المهدر بينها دمه (صلى الله عليه وسلم).. ووصل بهم العداء له ولرسالته أن طاردوه هو وصاحبه أثناء رحلة الهجرة ولولا رعاية الله وحفظه لهما لعثروا عليهما وفتكوا بهما.. وطوال حوالى عشرة أعوام قضاها عليه أفضل الصلاة والسلام هو وأتباعه من المهاجرين والأنصار فى يثرب (المدينةالمنورة) وكان خلالها الإسلام ينتشر رويداً رويداً فى أرجاء الحجاز، دارت بينهم وبينه معارك عديدة بدءًا من بدر ثم أحد وحتى الخندق.. ولننظر لموقعة أحد نظرة إنسانية حين أغرت هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان بن حرب عبداً حبشياً هو «وحشى بن حرب الحبشى» الذى كان يجيد رمى الرمح إجادة مبهرة لأن يقتل حمزة بن عبدالمطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة.. وبالفعل أصاب رمح وحشى مقتلاً فى حمزة الذى مثلت بجثته هند بنت عتبة أبشع تمثيل حين شقت بطنه وأخرجت كبده والتهمت منه جزءاً وحين قطعت أنفه وأذنيه ومثلت بجثته للغاية.. وقد كان حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إلى قلبه.. وقد تألم محمد صلى الله عليه وسلم ألماً شديداً وبكى حمزة بكاءً حاراً وهو يوارى جثمانه الطاهر مقبرة الشهداء بأحد التى ضمت قرابة السبعين من شهداء المسلمين فى هذه المعركة.. ووقتها من فرط تألم الرسول صلى الله عليه وسلم لقتل عمه وحبيبه سيدنا حمزة وتمثيل هند بجثته هذا التمثيل البشع توعد «هند» بالقتل إذا ظفر بها يوماً من الأيام.. تعالوا نرَ ماذا فعل سيد الخلق الذى هو على خلق عظيم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين أعزه الله ونصره هو وأتباعه ودخل مكة بجيشه الجرار الذى لا قبل لمكة وأهلها به.. تعالوا نرَ ماذا كان منه عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة وبعد أن طاف بالكعبة وحطم الأصنام التى حولها.. ماذا كان منه بالنسبة لأهل مكة الذين آذوه إيذاءً شديداً وحاربوه حروباً عديدة وناصبوه العداوة سنين طويلة.. ماذا فعل حين تجمع أهل مكة أمامه وقبل أن يعلنوا إسلامهم وسألهم: «ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟» فقالوا: «أخ كريم وابن أخ كريم»، فما كان منه إلا أن قالها «اذهبوا وأنتم الطلقاء»، لم يذبح رجالهم ويسبى نساءهم.. بل بلغت عظمته وعظمة خلقه أن صفح عن وحشى قاتل عمه، بل صفح عن هند بنت عتبة محرضة وحشى وآكلة كبد عمه حمزة.. وليس هذا مستغرباً عليه وعلى خلقه لسبب واحد أنه هو من أدبه ربه فأحسن تأديبه.. وأنه هو عليه الصلاة والسلام الذى وصفه ربه فى القرآن المنزل من فوق سبع سماوات بقوله «وإنك لعلى خلق عظيم».. وليس مستغرباً عليه لأنه عليه الصلاة والسلام الذى قال لصحابته وهو يؤدبهم ويعلمهم الرحمة والخلق الإنسانى السامى والقويم ما معناه «إن امرأة دخلت النار فى قطة»، فقالوا له ولم يا رسول الله.. قال ما معناه: «إنها حبستها لا هى أطعمتها ولا أطلقتها لتأكل من خشاش الأرض».. وليس مستغرباً لآلاف المواقف فى حياته وسيرته التى تدل دلالة قاطعة أنه على خلق عظيم وأنه الرحمة الذى أرسل رحمة للناس. وتعالوا نقتطف بعضاً مما قاله عنه أعظم مفكرى العالم وأدبائه وفلاسفته فى مشارق الأرض ومغاربها على مر السنين: - يقول عنه المفكر الفرنسى «لا مارتين»: «محمد هو النبى الفيلسوف الخطيب المشرع المحارب قاهر الأهواء.. وبالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية أود أن أتساءل هل هناك من هو أعظم من النبى محمد؟!». - أما الكاتب الإنجليزى «توماس كارليل» فيقول: «إنى لأحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، إنه يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم يرشدهم إلى محاسن الخلق وإلى ما يجب عليهم لهذه الحياة الدنيا والحياة الآخرة». - أما الأديب الإنجليزى الشهير «برنارد شو» فيقول عنه (صلى الله عليه وسلم): «إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل فى تفكير محمد.. هذا النبى الذى لو تولى أمر العالم اليوم لوفق فى حل جميع مشكلات العالم بأسره بما يؤمن ويحقق السلام والسعادة التى يرنو البشر إليها ويحلمون بها». - أما «مايكل هارت» فيقول «إن اختيار محمد ليكون الأول فى قائمة أهم وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء لكنه هو الرجل الوحيد فى التاريخ كله الذى نجح أعلى نجاح على المستويين الدينى والدنيوى». - أما الزعيم التاريخى للهند «المهاتما غاندى» فهو الذى يقول: «بعد انتهائى من قراءة الجزء الثانى من حياة الرسول محمد وجدت نفسى بحاجة للتعرف أكثر على حياته العظيمة، إنه يستحق عن جدارة وبلا منازع أن يملك قلوب مئات ملايين البشر». - أما الأديب البريطانى «جورج ويلز» فيقول: «إنى لأجهر وأعلن برجائى بمجىء اليوم الذى يحترم فيه المسيحيون المسيح عليه السلام احتراماً عظيماً باحترامهم محمداً، ولا ريب فى أن المسيحى المعترف برسالة محمد وبالحق الذى جاء به هو المسيحى الصادق». - ويقول الأديب الروسى الشهير «تولستوى»: «إن شريعة محمد حتماً ستسود العالم لانسجامها تماماً مع العقل والحكمة». ويقول المستشرق «ميشون»: «إن الإسلام الذى أمر بالجهاد قد تسامح مع أتباع الأديان الأخرى، وبفضل تعاليم محمد لم يمس عمر بن الخطاب المسيحيين بسوء حين فتح القدس بجيوشه». - ويقول المؤرخ الفرنسى «جوستاف لوبون»: «بلا أدنى شك وبلا أدنى تردد فإن محمداً هو أعظم رجال التاريخ». - أما مؤلف موسوعة قصة الحضارة «وول ديورانت» فيقول ما نصه «إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر فى الناس قلنا إن محمداً، إذن، هو أعظم عظماء التاريخ». هذا جزء يسير مما قاله عظماء مفكرى وأدباء وفلاسفة العالم على مر السنين عن محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والرسل (صلى الله عليه وسلم) الذى صدق الله العظيم الذى قال عنه «وإنك لعلى خلق عظيم».. فهل لنا أن نقدره التقدير الذى قدره له الله والذى قدره له هؤلاء العظماء؟ إن تقديرنا وحبنا له -وهو الأحب إلينا من أبنائنا وأهلنا بل من أنفسنا- أن نتبع ولو بعضاً من أحاديثه الصحيحة وسيرته العطرة.. ومثلاً لو عملنا واتبعنا حديثه الشريف قليل الكلمات قوى الفاعلية «من عمل منكم عملاً فليتقنه» لكنا والله من أعظم الأمم والحضارات الآن.. ولو اتبعنا نهيه عن الكذب والرياء والنفاق وحثه على مكارم الأخلاق لكنا الآن فى أعلى عليين الحضارات. حقاً، إنه أعظم رجال التاريخ، وأن مبلغ العلم فيه أنه بشر، وأنه خير خلق الله كلهم وأنه لعلى خلق عظيم ولو اتبعنا بعضاً من خلقه وسنته الصحيحة وصحيح أحاديثه لكنا والله من خير الأمم وأصحاب أعظم الحضارات.. إنه لم يكن يوماً من الأيام الرسول الذى بعث بالسيف رحمة للعالمين.. بل هو صاحب الخلق العظيم الذى أرسله الله رسولاً من لدنه رحمة للعالمين. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.