هل قررنا كعرب الاستفادة من دروس الماضى؟ هل أدركنا حجم ما نواجهه كأمة؟ هل بدأنا التغيير الحقيقى نحو مستقبل نفرض فيه كلمتنا وفقاً لمصالح مشتركة للجميع؟ تساؤلات لا تمنحك إجاباتها روح التفاؤل التى سيطرت على المزاج الشعبى العربى فترة انعقاد القمة العربية بشرم الشيخ، التى بدت -رغم كونها عادية- كقمة استثنائية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وحماية ما يمكن حمايته. لماذا قولى هذا؟ دعونى أبدأ من ذلك المشهد الذى غادر فيه قادة بعض الدول -كالمملكة العربية السعودية واليمن والكويت- اجتماع القمة بمجرد انتهائهم من إلقاء كلماتهم، فكان انصرافهم دون الاستمرار فى الاستماع لكلمات بقية الدول فى وقت يعوزنا فيه الاستماع لبعضنا حتى لو من باب فهم الآخر وتفهم رؤيته واحتياجاته. صحيح أن وفود تلك الدول واصلت متابعة الجلسات، لكننا فى دولنا العربية نعلم تماماً أننا نتبع رؤية الرئيس ومن دونها فلا. وآخذكم لمشهد آخر يؤكد أننا لا نعانى ذات المخاوف ولا نتفق على ذات المصالح. فبينما تتفق مصر والسعودية ومعظم دول الخليج -عدا عمان التى تتبع سياسة الحياد السلبى تجاه هذا الطرف أو ذاك- على ضرورة مواجهة التمدد الإيرانى فى اليمن ومحاربة الحوثيين وتجريدهم من سلاحهم، ترى بعض الدول الأخرى ومنها العراق على سبيل المثال التى أعربت عن موقفها دون مواربة أنه لا يحق لتلك الدول التدخل فى الشأن الداخلى لليمن. تستند فى ذلك إلى علاقاتها المباشرة مع طهران التى باتت فاعلاً رئيسياً فى العراق عبر العديد من الملامح سواء فى شخص رئيس الحكومة أو فى الكثير من الوزراء والمسئولين أو فى الميليشيات التابعة بشكل مباشر للحرس الثورى الإيرانى والتى باتت صاحبة اليد العليا فى الحرب الدائرة فى العراق على تنظيم داعش الإرهابى. ومن كلمة إرهابى ننطلق لخلاف آخر اتضحت ملامحه فى كلمات القادة العرب فى قمة شرم الشيخ، ويتعلق بتعريف كل منهم للإرهاب. فهوية الإرهاب فى بلادنا العربية مُختلف عليها حسب الانتماءات السياسية والمصالح الدولية والرؤية العقائدية للبلدان للأسف. فقطر على سبيل المثال لا تزال تدعم جماعة صُنفت بالإرهاب فى مصر والسعودية والإمارات، كما يوجد بقطر المكتب الوحيد لحركة طالبان على مستوى العالم. بينما يعرف الجميع أن بالسودان معسكرات لتدريب مقاتلين تكفيريين، بل إن ليبيا صرحت أكثر من مرة بأن السودان مصدر رئيسى لتهريب السلاح إلى أراضيها لجماعات التكفير القتالية. حتى السعودية ساوت بين نظام حكم سوريا -الذى لا أشكك فى ارتكابه أخطاء- وبين جماعات موّلتها هى وقطر وتركيا لإنهاء حكم بشار الأسد. ومن القتال نذهب لاقتراح مصر الذى لقى قبولاً بالقمة ألا وهو تشكيل قوة عربية مسلحة تستطيع التدخل فى الأزمات التى لم تعد خافية على أحد دون تدخل فى الشأن الداخلى لتلك الدول. اقتراح وجيه لكننى لا أشعر بالتفاؤل حياله لما ذكرت سابقاً. فلا مصالحنا العربية واحدة ولا رؤانا حول الأهداف اللازم تحقيقها متفقة ولا ارتباطاتنا القومية موحدة حيث ما زالت تتشكل حسب علاقاتنا بالخارج اعتقاداً منا أن حماية العروش تتشكل فى البيت الأبيض. وهكذا يا سادة اجتمعنا وتحدثنا عن وحدة لم تكتمل مقومات النيات الصادقة لها. رغم كلمات الرئيس المصرى التى ركزت على ما نواجهه وحاجة شعوبنا إلى النجاة بما ستتخذه القمة من قرارات مصيرية، وتكراره فقرته الأخيرة من حديثه بأنه «لن يصلح أن نعيش أمجاد تاريخ مضى ونترك حاضراً متفتتاً ومستقبلاً لن يبشر بالخير إذا استمر حالنا كما نحن عليه».. ليت قومى يعقلون فيسمعوا ويدركوا أننا لن ننجو باتفاقات البترودولار والاستراتيجيات المتكاملة مع الغرب الذى يمنحنا اليوم أكبر مثال على ازدواج مصالحه دون حياء، يدعم السعودية فى حربها على الحوثيين، ويواصل اتفاقاته مع إيران لعقد صفقات ظاهرها النووى وباطنها تبادل المصالح فى دول عربية. وهكذا أقولها: «قمم وراء قمم يا عرب والنتيجة واحدة.. شعوب محبطة لا تنتج إلا إرهاباً وفقراً ولا انتماء».. فهل من مستمع؟