أثناء فترة حكم الإخوان، انتهت اللجنة الثلاثية الدولية لسد النهضة من أعمالها وأصدرت تقريرها النهائى فى نهاية مايو 2013. واحتوى هذا التقرير على العديد من الملاحظات المحورية على الدراسات الإنشائية والهيدرولوجية والبيئية للسد. فقد جاء فى تقرير اللجنة الدولية أنّ تصميمات سد النهضة لا تأخذ فى الاعتبار الفواصل والتشققات الكثيفة فى الطبقة الصخرية أسفل السد، والتى تهدد بانزلاق السد وانهياره. وأضاف التقرير أن التصميم الإنشائى لجسم السد لا يسمح بمرور التصرفات المائية إلا من خلال مخارج محطتى الكهرباء الملحقتين بالسد، وأنه لا توجد أى فتحات إضافية لتمرير المياه، مما يهدد بعدم وصول الاحتياجات المائية لدولتى المصب فى حالات تعطل أى من التوربينات. وأوضح التقرير أن السعة التصميمية لمفيض طوارئ سد النهضة، الذى يستخدم لصرف مياه الفيضانات العالية، تزداد سعته كثيراً عن سعة مفيض طوارئ سد الروصيرص فى السودان، مما قد يؤدى إلى انهيار سد الروصيرص فى حالة حدوث فيضانات عالية. وذكر التقرير أن الحكومة الإثيوبية لم تزود اللجنة الثلاثية الدولية بأى معلومات عن تصميم السد الركامى الجانبى الذى يقع على بعد عدة كيلومترات أمام سد النهضة، والذى يبلغ طوله 4.8 كيلومتر وبارتفاع 50 متراً. وبخصوص الدراسات الهيدرولوجية، أفاد التقرير بأنها لا تزيد على كونها ميزاناً مائياً بسيطاً لا يأخذ فى الاعتبار خصائص وسياسة تشغيل سد النهضة، ولا تصلح لدراسة تأثيرات السد السلبية على دولتى المصب. فقد شرح التقرير أنّ الدراسات الهيدرولوجية تهمل الفواقد المائية على النيل الأزرق وخاصة فواقد البخر من سد النهضة التى تزيد على 3 مليارات متر مكعب سنوياً، وتهمل كذلك الزيادة المتوقعة فى البخر من السدود السودانية التى قد تصل إلى 2 مليار متر مكعب سنوياً. وأنّ الدراسات لا تأخذ فى الاعتبار السدود الإثيوبية الثلاثة الأخرى المخطط إنشاؤها على النيل الأزرق أعلى سد النهضة (كارادوبى، ومندايا، وبيكوأبو)، وتهمل تأثير التغيرات المناخية السلبية على تدفقات نهر النيل الأزرق. وطالبت اللجنة الدولية بضرورة إعادة هذه الدراسات لتقييم آثار سد النهضة المائية على دولتى المصب، مع الأخذ فى الاعتبار بدائل مختلفة لسياسات تشغيل السد. ومن الملاحظات الرئيسية لتقرير اللجنة الثلاثية الدولية على الدراسات البيئية، أنها لم تهتم بتقييم تأثير السد على تدهور نوعية مياه النيل الأزرق، وتأثير تحلل المواد العضوية والتربة والغابات التى سيتم غمرها بمياه بحيرة السد على التنوع البيئى ومصايد الأسماك ببحيرة سد الروصيرص فى السودان، وأيضاً على بحيرة ناصر فى مصر. وأضاف تقرير اللجنة أن هذه الدراسات البيئية أهملت تقييم آثار حجز المواد الرسوبية أمام سد النهضة على زيادة معدلات النحر فى قاع وجسور النيل الأزرق خلف السد وعلى المنشآت المائية السودانية، وعلى الزراعة وصناعة الطوب فى السودان. قبل هذه الأحداث سواء أيام حكومتى المجلس العسكرى أو حكومة الإخوان، كانت كل تصريحات المسئولين المصريين تخفف كثيراً من مشكلة سد النهضة، وكانت وردية الشكل والطالع مثل أن إثيوبيا تعهدت للحكومة المصرية بعدم الإضرار بالأمن المائى المصرى، وأن إثيوبيا لن تسمح بأن يكون لسد النهضة أى آثار على حصتنا المائية، وأنّها وعدتنا بأنه لن ينقص كوب واحد من مياه النهر، بل ذهبت التصريحات إلى أبعد من ذلك، فقالوا إننا نعمل على زيادة الحصة للإيفاء بالاحتياجات المستقبلية للشعب المصرى، وتصريح آخر بأننا لدينا فى السد العالى مخزون مائى ضخم يكفينا لسنوات وسنوات ولا خوف علينا من سد النهضة. ولذلك فقد تلقى الشعب المصرى صدمتين معاً، أولاً صدمة التغيير الفجائى لمجرى النيل الأزرق، والصدمة الثانية جاءت بعدها بيومين فقط ممثلة فى التقرير النهائى للجنة الثلاثية الدولية. وكان رد فعل حكومة الإخوان مرتبكاً، ونتذكر جميعاً أحداث اجتماع الرئيس السابق مع بعض النخب السياسية الموالية للنظام وقتذاك، وكان الاجتماع معلناً على الهواء، وما جاء فيه من تهديدات وتصريحات غير مسئولة ولا تليق بمصر ولا بمكانتها. وتلا هذا الاجتماع خطبة مطولة لرئيس الجمهورية السابق كان بها تهديدات عنيفة لإثيوبيا، وقد سبق هذا الخطاب كلمة مطولة لهشام قنديل أمام مجلس الشورى، يذكر فيها سلبيات اتفاقية عنتيبى ولماذا لم توقعها مصر، ويعترف لأول مرة بمخاطر سد النهضة على مصر، وكان قبل ذلك يلوم نظام مبارك لعدم التوقيع على اتفاقية عنتيبى. هذا كان دور حكومة الإخوان فى أزمة سد النهضة من عدم الاستعانة بكوادر فنية متمكنة من ملف حوض النيل، وعدم وجود حنكة سياسية فى هذا الملف، ثم هيجان إعلامى وتصريحات ساخنة بدون تحرك حقيقى على الأرض لحل الأزمة. ولم تنشر إثيوبيا نتائج تقرير اللجنة الدولية الذى يوضح المخاطر المتعددة لسد النهضة، ولكن من الغريب جداً ومن غير المفهوم عدم نشر حكومة الإخوان المسلمين نتائج هذا التقرير بالرغم من أن نتائج التقرير تدعم موقفها السياسى والقانونى والفنى، والأغرب من ذلك أنّ هذا التقرير لم ينشر حتى الآن. وأتذكر أنه فى نهاية الأسبوع الأول ليونيو 2013 تم استدعائى من خلال الأجهزة السيادية للقاء مع عصام الحداد فى الاتحادية. وفى هذا اللقاء الذى حضره مندوب إحدى الجهات السيادية وتم فيه الاتفاق على قيامى بتشكيل لجنة وطنية من علماء مصر لدعم جهود الدولة فى التحرك الفنى والسياسى والقانونى والإعلامى للتعامل مع هذه الأزمة. وتم تشكيل هذه اللجنة وكانت اجتماعاتها فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة وبحضور ممثل للجهة السيادية، وكان جميع أعضائها الذين زادوا على خمسة عشر من خيرة أبناء مصر من المتطوعين لخدمة مصر. وكانت أولى مهام اللجنة إعداد بيان متكامل عن تقرير اللجنة الثلاثية الدولية، وصادفنا العديد من الصعاب لعدم تعاون وزارة الرى وحجب بيانات التقرير، وكان هذا الأمر كوميدياً، حيث إن أحد أهداف تشكيل اللجنة كان لدراسة التقرير وإعداد نشرات إعلامية دولية وفى نفس الوقت يتم حجب التقرير عنها. من الواضح أن الهدف الحقيقى لتشكيل هذه اللجنة كان تكميم أفواه أعضائها عن التصريحات الإعلامية، وانتهت أعمال اللجنة بقيام ثورة يونيو المصرية، التى شارك فيها عشرات الملايين من المصريين.