جلسنا على شاطئ النيل، كعادتنا فى كثير من الليالى، نهرب من مصر إلى مصر.. نقرر ألا نتحدث عن الإخوان فيجرفنا الكلام إلى الأحزاب والقوى المدنية، ونغرق فى التفاصيل، ليقطع حوارنا مركب عابر خاوٍ بلا زبائن وداخله صوت يرتفع: «هاتى بوسة يا بت»، نضحك ويقول بعضنا «أيوة كده ده غناء المرحلة» دعونا من السياسة فقد مللنا الكلام، ومصر كلها غرقت فى الخطابة والرثاء، أين الفخر والعز فى أشعارنا، لماذا أدمنا الهجاء؟ «بوسة البت» تجرفنا مرة أخرى إلى تلك اللغة الآمرة فى الأغنية، استبداد رجالى حتى فى «البوسة»، يقول أحدنا: «عادى كلام منسجم مع وضع المرأة فى الدستور الجديد أليس من حق المرأة أن تناقش إذا أمرها زوجها أن تمنحه بوسة».. رائحة الدخان تحاصرنا والقاهرة تبدو حزينة صامتة وغريبة فى ليلها، يقترح أحدنا أن نؤجر المكان الخاص الذى نجلس فيه، فالقاهرة بعد العيد ستغلق أبوابها بعد العاشرة مساء والقاهرة التى لا تنام، ولا أحد ينام فى القاهرة ستغلق أبوابها قسراً «هاتى بوسة يا مصر». يقول أحدنا: أليس غريباً أن تنتشر مثل هذه الأغانى بعد الثورة؟ فيرد آخر انظر إلى أفلام العيد كل شىء أصبح عبثياً نتجه إلى الهلس، الناس تعبت وملت من الصراخ والجدال والفوضى والفقر. يرد آخر: «إحنا خارجين من ثورة مش من نكسة، كان مفهوم ده بعد النكسة، أغانى هابطة وأفلام عارية لكن الآن ما المبرر؟ مصر تايهة فى حوارى أبنائها». يسأل أحدنا: هل سيحصل الإسلاميون على نفس النسبة فى الانتخابات المقبلة؟ يقف عم رضا وهو يقدم لنا الشاى ليجيب: «طبعاً يا بهوات، الناس قاعدة تتكلم هنا فى التليفزيون، وهما راحوا القرى والأرياف، يوزعون الطعام ويعطون كل فرد عشرين وعشرة جنيه، الناس شبعت كلام عاوزة تاكل»، يلقى بكلماته وينصرف يغلبنا الصمت.. ويصيح صديقى العاشق: فين نزار قبانى، لماذا لم نعد نسمع الشعر، أين القصيدة التى تشعل النفوس، أين بلقيس؟ تمتد أيادينا على الأجهزة نفتش عن بلقيس، يعلو صوت نزار مقبلاً نيل مصر الحزينة: شكراً لكم فحبيبتى قتلت وصار بوسعكم أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة وقصيدتى اغتيلت وهل من أمة فى الأرض إلا نحن نغتال القصيدة ... ها نحن يا بلقيس ندخل مرة أخرى العصور الجاهلية ها نحن ندخل فى التوحش والتخلف والبشاعة والوضاعة ندخل مرة أخرى عصور البربرية حيث الكتابة رحلة بين الشظية والشظية