جسد نحيف، انحنى ظهره من الالتواء تجاه عجلة القيادة على مدار ما يزيد على 25 عاماً، يعلوه رأس تمكّن الشيب منه، فأوهم الناظرين إليه بكبَر عمره الذى لا يزال فى عامه الأول من عقده الخامس. حالته المادية البسيطة أجبرته على تأخير سن زواجه، ولكن صبر زوجته وابتسامة طفلتيه، جعلاه يواجه مصاعب حياته بمعاش 750 جنيهاً فقط، هى قيمة ما يتقاضاه من معاش هيئة النقل العام التى تركها لأسباب صحية. لم يكن حسونة سيد حسونة، 52 عاماً، يعلم أن شجاعته فى الدفاع عن أوتوبيس هيئة النقل العام الذى كان يستقله بالمصادفة، ومحاولته الهروب به لإنقاذه من أيدى مثيرى الشغب فى منطقة المطرية رغم تعرضه للضرب والإصابة، سوف تتسبب فى شهرته ليصبح نجم شباك فى غالبية برامج «التوك شو»، ومحط أنظار أهل الخير الذين تبرعوا له بمبلغ 150 ألف جنيه وعمرة، وأن يجلس محافظ القاهرة الدكتور جلال السعيد فى انتظاره بمكتبه لتكريمه ومنحه مكافأة مالية أخرى قدرها 5 آلاف جنيه، فقد اندفع الرجل تجاه قطعة من المال العام محاولاً إنقاذها من أيدى الإرهاب الذى يسعى للعبث بمقدرات الوطن صغيرها وكبيرها. أوتوبيس هيئة النقل العام من وجهة نظر حسونة «ابنى اللى بيتحرق قدام عينى»، لم يستطع أن يتخلى عنه، ولا يتركه ليحترق، لأنه سبيل الفقراء من أمثاله للوصول إلى أماكنهم، بخلاف الخمس أسر التى تعيش على ريعه، لذا قرر حسونة البقاء بداخله وانتظار مصيره المجهول مهما كلفه ذلك من مخاطر، دون أن يرى فيما فعله دوراً بطولياً، فقط رأى أنه قام بواجبه. رغبة «حسونة» فى المحافظة على الأوتوبيس الذى يمثل رمزاً للهيئة التى عمل بها، رغم ما يعانيه من مشكلات مادية ومخاطر كثيرة قد تلحق به جرّاء موقفه، تتشابه إلى حد كبير مع رؤية المخرج الراحل عاطف الطيب التى صورها فى فيلمه «سواق الأوتوبيس» عام 1982 عن «حسن» الذى انحصرت حياته فى ركوب أوتوبيس الهيئة نهاراً وقيادة سيارة تاكسى ليلاً دون أن يهتم بأحداث الحياة المتلاحقة من حوله لكى يتمكن من توفير احتياجات أسرته اليومية، وفجأة تعرضت ورشة النجارة التى يمتلكها والده للحجز من قبَل الضرائب بسبب عبث واستهتار زوج شقيقته فى إدارتها، وعُرضت فى مزاد علنى، لم يجد حسن بُداً من ترك عمله والوقوف بجوار والده وشقيقاته الخمس، فى مرة ينخرط فيها وسط مشكلات مجتمعه بعد أن أجبرته هى على ذلك، للحفاظ على رمز كرامة والده، فمنحها وقته وجهده لإنقاذ سمعة والده وورشته دون الاهتمام بمطالبات زوجته المادية، وعندما فشل لم يجد سبيلاً للتنفيس عن غضبه إلا بإطلاق سبابه فى وجه كل الفاسدين الذين تسببوا فى نهب البلد، كما نهبوا مستقبله.