عاصرت السيدة زينب حوادث كبيرة، منذ مقتل والدها الإمام على والعصف بالخلافة الراشدة، ثم استشهاد الإمام الحسن مسموماً، وإصرار يزيد بن معاوية على أخذ البيعة من الإمام الحسين، وهو ما رفضه «بن الأكرمين»، حيث خرج وأهله، ومنهم أخته زينب، من المدينة سراً متجهين إلى الكوفة بعد أن وصلتهم رسائل أهل الكوفة تدعوهم إلى القدوم وتتعهد بنصرتهم ضد الأمويين، إلا أن أهل الكوفة خذلوهم، وحدثت موقعة كربلاء، واستشهد الإمام الحسين، وابناها عون ومحمد فى المعركة، ونحو ثلاثة وسبعين من عترة آل البيت والصحابة وأبناء الصحابة، ووقفت بساحة المعركة تقول «وا محمداه.. هذا الحسين فى العراء مُزمَّل بالدماء مُقطَّع الأعضاء.. يا محمداه هذه بناتك سبايا.. وذريتك قتلى تسفى عليها الرياح». سيقت السيدة زينب، ومعها سكينة وفاطمة، ابنتا الإمام الحسين، وبقية نساء آل البيت، إلى حاكم الكوفة الأموى عبيد الله بن زياد، وقد وضعوا رأس الإمام الحسين فى مقدمة الركب، حيث دخل ركب آل البيت، ووقفت الجموع محتشدة تشهدهم، فنظرت إليهم السيدة زينب وألقت عليم قولاً ثقيلاً: «أما بعد يا أهل الكوفة، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة! إنما مثلكم مثل التى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا ساء ما تزرون». فضجّ الناس بالبكاء والعويل، ثم قالت أيضاً: «فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فقد ذهبتم بعارها وشنارها، فلن ترحضوها بغُسل أبداً.. وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة ومعدن الرسالة، ومدار حجتكم ومنار محاجتكم، وهو سيد شباب أهل الجنة؟ لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء!.. أتعجبون لو أمطرت دماً؟ ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم، إن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون، أتدرون أى كبد فريتم، وأى دم سفكتم، وأى كريمة أبرزتم؟»، لقد جئتم شيئاً إداً، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً». وعندما أُدخل الركب إلى قصر الكوفة حاول ابن زياد التهجم على أهل بيت، والشماتة بما حصل لهم فى كربلاء، حين سأل السيدة زينب: «كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتك؟!» فقالت: «ما رأيتُ إلا جميلاً. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم». وفى دمشق وقفت السيدة زينب أمام يزيد بن معاوية وهو يعبث بقضيب فى يده برأس الإمام الحسين أمامه، فأسمعته كلاماً فاق البلاغة والفصاحة وقوة الحجة والشجاعة، ما شق على يزيد سماعه، وسارع بإرسالها ومن معها إلى المدينةالمنورة. ومما قالته ليزيد بن معاوية وحفظته كتب المؤرخين وكتب السير: «أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء.. أنسيت قول الله تعالى: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين. أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد.. وستعلم أنت ومن بوأك ومكّنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحكم ربنا والخصم جدنا وجوارحك شاهدة عليك، أينا شر مكاناً وأضعف جنداً، فلئن اتخذتنا فى هذه الحياة مغنماً، لتجدنا عليك مغرماً، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة، عبيد الله بن زياد، ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد تزودت به قتل ذرية محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم». كان للسيدة زينب مواقف جريئة مع يزيد، وحمى الله بها فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبى، والإمام على زين العابدين من القتل، وهو الذى حفظ به الله ذرية سيدنا الحسين، فاحتضنت ابن أخيها على زين العابدين حين أرادوا ضرب عنقه، وقالت: «والله لا أفارقه، إن قتلته فاقتلنى».