لم تشعر بالخوف يوما وهي تقف أمام خزانة ملابسها، تفتحها في ثقة تعرف بالظبط ما تريده، ترمق الألوان وتختار القطع واحدة تلو الأخرى كساحر ماهر ينتقي مكونات خلطة تعويذته.. تهوى تركيب الألوان الغريبة كشخصيتها المتناقضة لون ساخن يمتص لهيبه لون بارد، والعجيب أن المزيج لايخلوا أبدا من أناقة تجعلها محطا للأنظار رغم جسدها الذي يميل للبدانة لكنها تعوض ذلك بمشيتها الواثقة كعارضة أزياء محترفة ليصبح جسدها لوحة فنية متشحة بالألوان.. لا يمكن أن تخمن شخصية فتاة كهذه من ملابسها، ربما تحملك ألوانها الصارخة على الاعتقاد بأنها جريئة قوية الشخصية،لكنها قد تفاجئك في يوم آخر بإطلالة باهتة خجول كبيجامة كستور في حفل عيد جلوس الملكة إليزابيث. جاذبية خاصة تشع من وجهها الطفولي ومشيتها الراقصة كأنها تسير على أصابع بيانو" وهو ما تغير بعد أن عرفته صارت تسير بتمهل مترقبة ظهوره هي التي كانت دوما على عجلة من أمرها".. "أول عنية ما جت في عنيه"..صوت أم كلثوم ينبعث من راديو ما، تبتسم لانعكاسها في المرآة وهي تفكر كيف ستغازله بالألوان اليوم.. كانت ترتدي الملابس فصارت الملابس ترتديها، أهدتها الألوان أسرارها، ومنحتها نظرته روحا جديدة نفخت الحياة في ألوانها.. ترتدي فستانها الأسود وتتذكر كيف يكون حوارهما الصامت كل يوم..، وكيف يعرض عن جاذبيتها في الجينز بعقدة حاجبيه وتكشيرة تضعف أمامها كثيرا، "تبا له" تهمس عابسة، وكأنه يرميها خارج اهتمامته، تدميها لامبالاته وكرهه للجينز الذي يجعلها أكثر جرأة فتركب المتوسوكيل والدراجة وينتشر صخبها في أرجاء المكان، وكأنما يؤلمه ان تلفت براءتها أنظار غيره.. كم يصبح هادئا حنونا حين ترتدي الفساتين لأنها تجعلها صامتة في حالة توتر دائم خشية أن تتعثر في مشيتها بسبب طول الفستان فتجدها هادئة وديعة.. تضع أحمر الشفاه بينما تتذكر، كيف كان يضحك حين يؤلمها الكعب العالي فتخلعه في بساطة وتسير حافية القدمين، لفتته براءتها وخفة دمها ومزاجها المتأنق.. كانا يتناجيان من بعيد لبعيد بأغاني عمرو دياب..يأتيها صوته الخشن بعيد، فيعلو صوتها منغما "خلينا نشوفك"، لحظة وتجده يخطر أمامها، وتقابلها عيناه المشاغبتين في ابتسامة ضحكت ليها الليالي.. غالبا ما كانت تلفت أنظار الرجال بسبب أناقتها، ألوانها، إكسسواراتها الغريبة، هو وحده اكتشفها ورآها حينما أرادت أن تكون رمادية مختفية عن الأنظار، عبث في أقفالها حتى وجد المفتاح.. أحبها حتى في بلوزة «الاكتئاب» الشهيرة،التي ترتديها عندما تصبح محايدة غير مرئية، رآها في ذلك اليوم ،وفورا تواصلت روحيهما على نفس التردد.. يعرف «هو» كيف يعيد رسم تفاصيلها بعينيه.. ترتدي الأحمر فتشعر وكأنها تفاحة معلقة على شجرة الغواية كم تتمنى لحظتها أن يقطفها ويصبح وطنها كفه.. تسير في خفة بينما فستانها الأزرق يتماوج على منحنيات جسدها الذي تنحته التفاتة خاطفة منه تقول كل شئ دون أن تقول أي شئ.. عيناه التي تلمسانها، تحتضنان تفاصيلها في تؤدة كقبلة عاشق متمرس يعرف كيف يدوخ فريسته استعدادا لالتهامها.. تنزل للشارع تغمض عينيها، وهي تستنشق نفسا عميقا محملا بالحب وبالذكريات وبه، وكأنما أصبح لروحها بعده لسانا يتذوق الحياة،قلب دنياها بكهرباء حضوره فصارت تأكل الموسيقى وتسمع الطعام لو جاز تعبيرا كهذا.. بوصلة إحساسها.. هكذا أصبح وإذا كان شمال البوصلة ملاذ التائهين، فهو شمالها الذي تقبل أن تضل معه الطريق مع سبق الإصرار.. تقف عند محل عصير القصب وتطلب كوبا من «السوبيا»، تراقب بنهم السائل الأبيض يملأ الكوب، كانت تكره الأبيض كما تكره المستشفيات وتعتبره لون للمرضى والأموات، لكن كأي امرأة تحب أدركت في دهشة حقيقية أنها ولأول مرة صارت تحلم بالأبيض.. ولم تفكر به معه، ربما لأنها تفكر في وجوده على الإطلاق يصبح معه جسدها قلبا يحمل رأسا عبارة عن زهرة لا عقل لها.. كانت تنظر للأبيض دوما كنهاية لأي قصة حب وهي لا تحب النهايات.. لماذا تهرب إلى الأبيض إذا كان بحوزتها قوس قزح.. لكنها لم تعد تهتم بأن تصبح عروس مولد تحمل وجه محارب من الهنود الحمر الملطخ بالأصباغ والعرق بينما تعميها فلاشات كاميرات الأقارب والأصدقاء،وتشع ابتسامتها البلهاء أثناء فقرة تبادل كؤوس الشربات وتقطيع التورتة كمهرج في سيرك.. أصبحت في جوع للأبيض الذي سيجمعها به تبحث عنه في مجلات الأزياء وصفحات الديكور والدباديب و السوبيا وحلوى المارشميللو.. "كل ما عيونك تاخدني يتولد إحساس جديد" نغمة موبايلها توقظها من «دلدقة الذكريات» وهي عادة صباحية تستعيد بها حكايتها معه وكأنها فيلم مسلي لا تمل منه.. صوته الضاحك عادة يأتيها اليوم مكفهرا، تنقبض، لابد من لحظة «البجد» التي يعرفها كل اثنين في العالم كل سالب وموجب كل شمال وجنوب كل «إكس» و«واي».. و«البجد» أنواع أسوأها تلك الممنوعة من الصرف التي ليس لها أصل «متعرفلهاش» سبب من أين جاءت ولماذا؟ يقولك ظروف، وهناك عبارات شهيرة أنهت معظم قصص حب أفلام الدرج التالتة "أنت تستاهلي حد أحسن مني"، " أبويا غاصبني أتجوز بنت عمي"، "أنت زي أختي"، "خلينا أصحاب".. أو كما قال لها مقتبسا كلمات منير "خايف أوعدك ما أوفيش" تفكر "يهدك يا منير ما كنا ماشيين تمام مع عمرو" لم تتوقع نهاية كهذه لقصتها، غرورها هيألها أنها تحدث للأخرين فحسب، لكنها كانت من هؤلاء الآخرين، تلجأ لعينيه اللتين صوبهما نحو الأرض فتهزمانها.. نظرت إليه مجددا وأحست بألم مفاجئ ، وفكرت ببشاعة الإحساس بأنها يوما ما أشعلت مشاعره، وبأنها الآن باتت مضطرة لأن ترى بعينيها وبقلبها انطفاء تلك الشعلة.. يعني بالبلدي «تجربة وعدت عدت.. عدت.. عدت». تبتعد عنه في هدوء، لم تجرؤ على استجداء مشاعره، أو تذكيره بما كان "لما كان وكان وكام لينا في كل مكان مكان"، تعود لعقلها فضيلة التفكير حتى يبدو وجهها كأنه تحول إلى جبين مجعد يفكر.. تشرد بعيدا، ويباغتها ضجيج يملأ العالم حولها لاتهتم، بينما ألم حارق يمزق جسدها في قسوة.. يلفها السكون و تراه أمامها عاد إليها، هلل قلبها، كانت تعلم أنها لم تكن طيفا عابرا في سمائه، لم يخنها إحساسها، يبدو أن اللون الأبيض الذي طلما كرهته ولم تحلم به إلا معه لن يخذلها في النهاية بعد أن كفت عن الانتظار.. كل من تحب يلتف حولها في هذه اللحظة، هذه اللحظة التي طالما انتظرت أن تخرج في كامل زينتها إليهم متأبطة ذراعه «هو»، لكن لماذا الحزن على وجوههم؟ لماذا الدموع في عيون أمها؟ ترى كشافات الأضواء وتسمع صوت مكبرات الصوت بينما لا تميز الأصوات جيدا، تبحث عن أكواب الشربات بينما تدور فناجين القهوة على المدعوين.. يباغتها الأبيض يقترب منها في هدوء وتقترب منه في توجس ملمسه ليس مخمليا كما تخيلت أين الدانتيل، هي أرادته موشى بالدانتيل المطرز بالزهور لكن لماذا تشعر بالبرد لماذا يغطون وجهها؟ إنها خائفة لأول مرة تشعر بالخوف بينما يلفها كفن..