مع حلول الذكرى الرابعة لثورة يناير، يبدو التساؤل مشروعًا عمَّا يمكن أن تكون قد حققته تلك الثورة، خاصة في ما يتعلق بتمكين الشباب، فالثورة قامت بالأساس من أجل إسقاط مبارك؛ الرجل الذي قبع على أكتافنا منذ عقود، يستقطب عديمي الكفاءة وغير المُبدعين، ويستبعد الشباب ويستعبد أحلامهم، ويشنف آذانهم بضحكات صاخبة تهتز لها كل جغرافيا الوطن وتُغلَّق مساحاته التي قُتلت من تضييق نوافذ الحرية، ويقف التاريخ متحسرًا، وتصرخ مصر وتتوجع وتستحلفنا أن نمد لها يد العون، لكن السيف كان دائمًا يحصد الأيادي، والعام بأكمله موسم حصاد؛ حصاد ألسنة نطقت بالحق وأيادٍ حاولت أن تدفع الظلم، وبقرة حُلب كل لبنها حتى باتت من الوهن تخرج دمًا وتتأوه دون ضجيج أو صخب، ومعركة مفتوحة فيها الشيب يصرع الشباب، فدولة العواجيز هي الوجه القبيح لزمن مبارك وحاشيته ودولته الفاسدة التي وصل فيها تهميش الشباب إلى مرحلة بالغة السوء! جاءت ثورة يناير من أجل القضاء على "دولة العواجيز" الذين حوّلوا مصر من مصدر من مصادر البهجة إلى مصدر من مصادر القُبح، لأنهم يقفون عند مرحلة من الزمن قد تجاوزها الحاضر، ولم يمتهنوا في حياتهم سوى أن يطوفوا حول إنجازات الرئيس غير الموجودة رافعين حذائه فوق رؤوسهم جميعًا، ويُسبِّحون بعظمته آناء الليل وأطراف النهار، حتى جاءت الثورة لتُلقي هذا الحذاء - بأيادي الشباب - في وجه كل مَن ينافق ويظلم ويسرق ويعيث في الأرض فسادًا. ومن المهم القول بأن المقصود بدولة العواجيز التي قامت الثورة من أجل هدمها، هم عواجيز الفكر، عديمي الكفاءة، غير المبدعين، الروتينيين، محدودي الخبرة، وبالتالي فالمعيار هنا هو الكفاءة بالأساس، وبالتالي فإن تمكين الشباب أيضًا لا يعني تمكين كل الشباب، ولكن يعني فقط تمكين الشباب أصحاب الشهادات العلمية، ذوي الكفاءة، وبالتالي فإن المقصد من رحيل دولة العواجيز هو أن يتم تمكين الشباب الكفء محل كبار السن غير الأكفاء، وأن يستمر كبار السن المشهود لهم بالخبرة والكفاءة لأن حرمان مؤسسات الدولة منهم هو خطر كبير وضرر بيِّن. وبالتالي في ظل وطن يحوي بين طيّاته نسبة تصل إلى حوالي 60% من الشباب، فإنه لا بد أن يأخذوا مكانهم ومكانتهم، وفي هذا السياق، يمكن القول بأن معظم المبادرات التي انطلقت عقب ثورة يناير تمَّ اختزال تمكين الشباب فيها من خلال وجودهم في أماكن قيادية مثل معاوني محافظين أو معاوني وزراء، وهذه نظرة قاصرة للغاية، لأن تمكين الشباب فكرة أكبر من مجرد اختزالها في بعض المناصب القيادية الشكلية التي تحتاج ربما لمَن هو أكثر خبرة وأكبر سنًا من أجل أن يؤدي واجباته بفاعلية ونجاح. ومع مرور أربع سنوات على ثورة يناير، واستمرار تهميش الشباب، بدأ الأمر ينعكس بأفكار سلبية عليهم مثل التفكير في الهجرة خارج مصر، وشعور عدد كبير من الشباب بحالة من الاغتراب، بعد حالة اليوتوبيا التي خلقتها ثورة يناير في ميدان التحرير والتي جعلت الكثيرين يرون في مصر الحلم والمستقبل، ولكن بعد مرور تلك السنوات يشعر الكثير من الشباب بغُصة في الحَلق، وكأنهم خارج إطار الزمان والمكان، كأن مصر كانت ومازالت "دولة العواجيز" ولم يعد فيها أي متسع للشباب. ويمكن القول بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي يعي جيدًا أهمية الشباب وضرورة تمكينهم وخطورة تهميشهم واستبعادهم، وكانت لَفتة رائعة للغاية منه لقائه مؤخرًا بعدد من شباب الأحزاب وشباب القوى السياسية غير السياسية وشباب الإعلاميين وشباب الصحفيين، وتحدثه بصدر رحب معهم واستماعه إليهم بكل تقدير، وحديثه عن أنه ليس لديه مشكلة مع الشباب ولكنه يريد الشباب القادرون على تحمُّل المسئولية، وأن ما يخشاه هو أن الوطن ليس لديه رفاهية التجريب، وهو أمر حقيقي، لأننا في لحظات استثنائية للغاية من تاريخ مصر، ولكن لما لا يتم إسناد بعض الأعمال للشباب أصحاب الكفاءة في أماكن ليست بالضرورة قيادية أو حيوية، لأنه لا أحد يتعلم دون تجربة، كذلك هي فرصة من أجل تحجيم كرة الثلج التي تكبر مع الوقت بين الدولة والنظام من جانب والشباب من جانب آخر، وسببها الحقيقي هو أزمة الثقة بينهما، فالشباب يرون أن الدولة مُقصِّرة، والدولة ترى أن كثير من الشباب قاصر!. وبالتالي فإننا إذا كنا تخلصنا من مبارك ومن بعده الإخوان بثورتين عظيمتين، فإن الأشخاص الذين جَسّدوا نظام مبارك وحكم الإخوان يحتاجون لأكثر من ثورة؛ ثورة على العادات والسلوكيات المغلوطة التي تُهمش الشباب، وعلى الثقافة المجتمعية الخاطئة التي تستهين بقدراتهم، من أجل أن تتحول مصر من "دولة العواجيز" إلى "دولة الشباب"، كي يصرع الشباب الشيب، ويَهزم المستقبل ذلك الماضي السحيق!.