لقاء بالقرب من السفارة الأمريكية: اتصل إبليس بصديقه الشيطان على أن يلتقيا فى أحد الفنادق القريبة من السفارة الأمريكية.. وفعلاً تم اللقاء حسب الموعد.. ابتدأ الشيطان الحديث قائلاً: لماذا كان حرصك على أن نلتقى بالقرب من السفارة الأمريكية.. هل لذلك مغزى؟ إبليس: نعم، هى مرتبطة بالحديث اليوم، ولا تنسَ أنها من المحركات المهمة للأحداث.. الشيطان: كنت قد وعدتنى بالتطرق إلى بعض التفاصيل المتعلقة بالإخوان. إبليس: نعم، نعم.. أنت تعلم يا عزيزى أن أمريكا منذ مدة طويلة وهى تسعى لطمأنة صديقتها وربيبتها إسرائيل، بحيث تكفل لها كل ضمانات الاستقرار بل الهيمنة على المنطقة برمتها. الشيطان: أعلم ذلك جيداً، وعموماً هذه القضية لم تعد خافية على أحد، حتى على بنى البشر من محدودى العلم والثقافة.. إبليس: هذا صحيح، لكن ما أريدك أن تعلمه أن أمريكا كانت تبحث بجد عمن يستطيع القيام بهذا الدور، وأنها كانت تخطط له منذ زمن. الشيطان: ألم يكن مبارك ونظامه كافيين للقيام بالمهام المنوطة بهما؟ إبليس: الواقع أنهما أديا ما عليهما فى تلك المرحلة وحسبما كان متاحاً، لكن أمريكا تطمح الآن إلى المزيد بحيث لا يتعرض وضع إسرائيل لأى اهتزاز أو تذبذب بعد ذلك أبداً. الشيطان: وهل وجدت أمريكا بغيتها؟ إبليس: نعم.. نعم.. أنت تعلم أن أمريكا تطرق كل الأبواب دون كلل أو ملل، حتى يتم فتح الباب المناسب وبالشروط التى تريدها.. صحيح أن باب الإخوان كان موارباً، لكن أمريكا كانت ترى أنه أفضل من غيره بكثير، وقد استطاعت بشىء من الجهد أن تدلف منه بسهولة ويسر، خاصة أن لديها من الإغراءات ما يسيل له أى لعاب. الشيطان: وما الذى يريده منا سيد الأبالسة فى هذه المرحلة؟ إبليس: نحن نعلم أنه كانت لديكم خبرة طويلة وممتدة فى تأليب مبارك ورجاله على الإخوان، وتستطيعون أن تلعبوا دوراً مهماً فى الأيام المقبلة، فهى أيام حاسمة بالنسبة لنا. الشيطان: لهذه الدرجة؟ إبليس: نعم.. نحن نريد أن نضرب أكثر من عصفور بحجر واحد؛ القضاء على ما يسمى بالدعوة الإسلامية التى صدعوا رؤوسنا بها ليل نهار، وكسر مصر حتى لا تقوم للعرب والمسلمين قائمة، والتفوق الساحق لإسرائيل، وهذا كله لن يتم إلا إذا وصل الإخوان إلى حكم مصر.. ونحن نرى أن الظروف مواتية لذلك تماماً. الشيطان: لعلنا نكون عند حسن ظنكم. الإخوان وحكم مصر: إبليس: ما الذى يمكن أن تقدموه لتحقيق هذا الهدف؟ الشيطان: تعلمون أن الإخوان ظلوا طوال تاريخهم فى صدام مع السلطة؛ تضييق، وملاحقة، ومطاردة، وإلقاء فى غياهب السجون، علاوة على التعذيب والتعليق على أعواد المشانق.. لذلك كانوا يحلمون باليوم الذى تنتهى فيه عذاباتهم وينالون حريتهم فى الدعوة والتربية.. ولا بأس بأن ينافسوا على بضعة مقاعد بالمجلس النيابى.. أما فيما يتعلق بحكم مصر، فهو أمر يتجاوز بالنسبة لهم حدود التصور والخيال.. إبليس: أظن أنه بعد أن قام المصريون بثورتهم، أصبح الطريق ميسوراً. الشيطان: لقد أعلنوا أنهم لا يريدون المنافسة على أكثر من 30٪ من المقاعد، كما أنهم لن يرشحوا أحداً لمنصب رئيس الدولة. إبليس: أنا واثق أنهم سيغيرون رأيهم، وأنكم لن تعدموا وسيلة فى إقناعهم. الشيطان: أعد أننا سوف نحاول، وإن كانت المهمة صعبة. إبليس: عليكم بالشباب، فلديهم تطلعات وطموحات كبيرة، وهم من سيضغطون على قيادتهم.. وأنا على يقين أنهم سينجحون.. الشيطان: أراك مطمئناً إلى أن وصول الإخوان للسلطة سوف يحقق المستهدف من ورائه.. لكن، ماذا لو حدث العكس؟ إبليس: لا يغيب عن ذهنك أن هناك فارقاً كبيراً بين الإخوان وهم فى حالة الاستضعاف، وبينهم وهم فى السلطة.. سوف نرى أناساً مختلفين تماماً.. سوف تلعب السلطة برؤوسهم، وينسون الماضى بكل آلامه وأحزانه وأوجاعه.. سوف نرى فيها نهايتهم.. ونهاية مصر على أيديهم.. ثم أردف قائلاً: أنت تعلم يا صديقى أنه لا يفتك بالإنسان قدر الغرور.. فالغرور هو الذى أخرج أبانا إبليس الكبير من الجنة.. تلك هى مهمتكم.. أن تدفعوا بهم إلى أعلى مراتب السلطة، لكى يحرزوا نجاحاً لم يكونوا يتوقعونه أو حتى يتخيلوه.. أوعزوا إليهم أنهم بصدد فرصة تاريخية لن تعوض، وعليهم ألا يضيعونها، وإلا سوف يندمون على ذلك ندماً شديداً طوال حياتهم.. نحن نعلم أنهم غير مؤهلين لإدارة حى متواضع، لذا يجب أن ندفعهم كى يصعدوا إلى قمة التل مباشرة، وعنده سوف يشعرون أنهم فوق الناس جميعاً، خاصة عندما يرون أصحاب الرتب الكبيرة والمناصب الرفيعة يصطفون على الجانبين، يرفعون لهم أيديهم بالتحية، وهم الذين كانوا يضيقون عليهم ويذيقونهم من الهوان ألواناً. لحظتها، لا تتوقفوا عن الوسوسة لهم بهذه العبارات: لقد نجحتم فيما فشل فيه الآخرون- ها أنتم الآن أقوى، وأفضل، وأعلى، وأذكى- أنتم بشر موهوبون، ونوابغ، وعباقرة- أنتم الآن أصحاب مكانة عالية ومنزلة مرموقة- أنتم الآن تتحكمون فى كل شىء، تأمرون فيستجاب لكم، وهناك الكثيرون الذين يتمنون رضاكم- يجب أن تتعاملوا مع الآخرين وفق أوضاعكم الجديدة- الآدميون لا ينفع معهم إلا الاحتقار والازدراء والتعالى والنظر إليهم باشمئزاز- هذه فرصة تعوضون فيها ما فاتكم من ضعف ومذلة وهوان.. بهذه العبارات، سوف يتسلل الغرور إلى نفوسهم، ويأخذهم الإحساس بأنهم جنس مختلف ونوعية قلّ أن يجود الزمان بمثلها.. وهذه هى بداية الانهيار.. استطرد إبليس قائلاً: اعملوا على إقناعهم بأنهم سوف يبقون فى السلطة إلى الأبد، وأن يكون رئيسهم دمية فى أيديهم، وأن تدار مصر بأسلوب التنظيم السرى، ومن خلال مكتب إرشادهم بحيث يتحول قصر الاتحادية إلى شعبة من شعب الإخوان. الشيطان: سمعاً وطاعة يا شيخنا الجليل.. فقط أمهلنا بضعة أيام حتى نرتب أوراقنا، وسوف ترى وتسمع منا ما تقر به عينك. إبليس: أنا واثق من ذلك.. عموماً، إذا احتجتم أى مساعدة فنحن موجودون على مقربة منكم.. أرجو أن توفّقوا فى مهمتكم، فنحن مقبلون على مرحلة تاريخية مهمة.. ثم هبّ واقفاً، وقال وهو ينصرف: لا تنسوا معشر الشياطين أن هناك آمالاً كبيرة معقودة عليكم، ومعشر الأبالسة ينتظرون منكم الكثير..