يترأس الدكتور منير حنا أنيس، رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، والمطران الرئيس لإقليم القدس والشرق الأوسط، اليوم، قداس عيد الميلاد، في كاتدرائية جميع القديسين بالزمالك، وسط حشد كبير من المسؤولين وممثلين عن رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء وشيخ الأزهر ووزراء الداخلية والدفاع، وعدد من الشخصيات العامة. وحصلت "الوطن"، على كلمة مطران الكنيسة الأسقفية التي سيلقيها خلال قداس عيد الميلاد، تحت عنوان:"السماء تقول: لاتخافوا"، وجاء نص الكلمة كالتالي:"اليوم نحتفل مع آلاف الملايين من شعوب العالم بعيد ميلاد السيد المسيح، وفي كل احتفال بميلاده نتذكر قصة الميلاد كما ذكرت في الكتاب المقدس، والتي تشمل عدد من الإعلانات السماوية التي حملتها الملائكة لبعض من شخصيات القصة، فنجد ملاكا يعلن لزكريا الكاهن أن إليصابات زوجته المسنه سوف تلد ابنا سمي فيما بعد يوحنا المعمدان، والذي أتى ليعد طريق الرب، والملاك الثاني هو الذي بشر العذراء مريم أنها ستحبل من الروح القدس وستلد ابنا اسمه يسوع، والملاك الثالث هو الذي جاء ليوسف النجار في حلم ليطمئنه أن الذي حبل به في مريم العذراء خطيبته هو من الروح القدس، والملاك الرابع هو الذي ظهر للرعاة ليلا ليبشرهم بولادة المسيح في مدينة داود أي بيت لحم، وأيضا في القصة نجد عددا هائلا من الملائكة يرنمون "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". لقد كانت هذه كلها إعلانات من السماء تقول إن الوقت حان لمجيء المسيح الذي كان ينتظره الشعب لمدة قرون عديدة، لكننا نلاحظ في كل هذه الإعلانات أن كل ملاك من هذه الملائكة بدأ بشارته بكلمة لاتخف أو لاتخافي أو لاتخافوا، واليوم أود أن أتوقف عند بشارة الرعاة وأتأمل في قول الملاك للرعاة "لاتخافوا". فالقصة تقول أن الرعاة البسطاء "خافوا خوفا عظيما" لكن الملاك قال لهم "لاتخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم لجميع الشعب. إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب". ونحن اليوم بحاجه إلى رسالة الميلاد السماوية هذه، التي أرسلها الله إلى البشر منذ أكثر من ألفي عام "لاتخافوا". فوسائل الإعلام تنشر كل يوم الأخبار المخيفه عن الحوادث الإرهابيه والحروب والزلازل والأعاصير والأوبئة ولعلنا سمعنا الأسبوع الماضي عن العملية الإرهابيه التي راح ضحيتها 140 من الأطفال الأبرياء في منطقه بيشاور بباكستان. وهنا في مصر نسمع أيضا عن أحداث إرهابية بين الحين والآخر تودي بحياة مواطنين أبرياء من رجال الشرطة والجيش الذين يبذلون حياتهم دفاعًا عن الوطن، وفي سوريا والعراق نسمع عن تنظيم داعش الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط بأسرها، أنها أخبارا مخيفة حقا... لذلك فإن رسالة السماء لنا اليوم لاتخافوا. والكتاب المقدس يحكى لنا كيف دخل الخوف الى قلب آدم بعد أن عصى وصية الله أن لايأكل من الشجرة التي في وسط الجنة. والخوف دفع آدم أن يختبئ من وجه الله ويقول"«سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ»." (تكوين 3 : 10) نعم.. خطية آدم جعلته يخاف أن يتقابل مع الله كلى القداسة. وفي قصة الميلاد نجد أن الرعاة خافوا عندما رأوا مجد الرب في السماء.. لذلك نجد ملاك الرب يقول للرعاة لاتخافوا... ثم يعود الملاك ليذكر لماذا يجب ان لا يخافوا فيقول: انه ولد لكم....مخلص هو المسيح الرب.. مخلص لجميع الشعب... مخلص أخذ صورة عبد... وصار في شبه الناس وارتضى أن يموت على الصليب ليدفع أجرة خطايانا وينزع خوفنا ويعيدنا إليه. أحبائي إن رسالة السماء لنا في عيد الميلاد هي لاتخافوا والسبب انه ولد لنا مخلص.. الخلاص يحوّل خوفنا وقلقنا الى فرح ورجاء، لأن أجرة خطايانا دفعت ولن يكون هناك دينونة فيما بعد كما هو مكتوب "17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ." (يوحنا 3 :17-18) والسبب الثاني الذي ذكره الملاك للرعاة لكي لا يخافوا هو أن هذا المخلص الذي ولد، ولد لهم وليس لغيرهم "ولد لكم اليوم".. أي أن المسيح المخلص جاء لهم هم، وهذا ساعدهم أن يطرحوا الخوف خارجا ويذهبوا ليتقابلوا مع مخلصهم ويرجعوا وهم يمجدون الله ويسبحونه. أحبائي، إن رسالة السماء لنا في هذا المساء هي أن المسيح ولد لنا نحن، فهو مسيحنا نحن، هو عمانوئيل الله معنا.. هو قريب منا ورفيق رحلتنا في هذه الحياة، فكيف نخاف وهو لنا ومعنا؟ داود كان يدرك هذا لذلك كتب في المزمور الثالث والعشرين " 4أَيْضًا إِذَا سِرْت فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي." (مزمور 23 : 4) أنت معي وأنت يا رب راعيّ. والسبب الثالث الذي يشجعنا أن لا نخاف هو أن الرعاة الذين بشرهم الملاك هم من فئات الشعب المهمشة للغاية، فهم الأكثر فقرا والأقل تعليما من باقي فئات الشعب، لكن السماء اختارت أن تعلن لهم خبر ميلاد المسيح. ومعنى ذلك أن المسيح المخلص متاح لجميعنا مهما كان مكاننا في المجتمع، ولا يوجد فاصل أو حائل يمنعنا أن نقترب من المسيح وهذا يشجعنا دائما ويمحو خوفنا بلاشك. والسبب الرابع والأخير الذي يساعدنا أن لا نخشى أو نخاف ، نجده في القراءة من سفر اشعياء والتي تقول" 6لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ." (اشعياء 9 : 6) فالمسيح رئيس السلام يعطينا طمأنينة وسلاما في كل الظروف. وعندما تمتلئ قلوبنا بسلام الله الذي يفوق كل عقل لا يبقى للخوف مكانا. قال يسوع" سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ. " (يوحنا 14 : 27). أحبائي.. إن رسالة السماء لنا في عيد ميلاد المسيح هي لا تخافوا لأن المسيح قد تجسد وولد لكي يخلصنا، لقد جاء لي ولكم وهو متاح لجميعنا وهو رئيس السلام الذي يمنحنا السلام الذي يفوق كل عقل. دعونا نرحب به بالإيمان ليولد اليوم في قلوبنا فنتمتع بالسلام الحقيقي الذي لا يقدر العالم أن يعطيه لنا. ويختتم حنا كلمته بالقول: "إننا نصلى اليوم من أجل مصر وهي تخوض حربا ضد الإرهاب وتتطلع إلى تحقيق الديمقراطية والتنمية الشاملة وهذه مسئولية كل مصري، ونصلي من أجل أشقائنا في سوريا والعراق وفلسطين وفي السودان حتى ينزع الله العنف وسفك الدماء ويعبر بنا جميعا إلى بر السلام. دعونا أيها الأحباء أن نطرح الخوف خارجا ونحب الله ونحب جيراننا ومعا نعمل نبني بلادنا الحبيبة مصر واله السماء سيعطينا النجاح".