«أوصيت أخى بزوجتى خيرا»!! هل تُقبل هذه العبارة منطقياً إلا من رجلٍ يصارع العلة وينتظر قضاء الله؟ أظنها لا تُقبل!! لأن صاحب الولاية والأهلية لا يوصى غيره بفعل هو أولى به إلا لو أصابه عجز مُقعد!! خطر هذا ببالي وأنا أطالع «التوصيات» الصادرة عن اجتماع اللجنة العليا لتطوير صناعة الدواجن يوم الثلاثاء الماضي الموافق 16/8/2022م. التوصيات يا سادة تصدر عادة عن المؤتمرات العلمية والندوات التى يلتقى فيها أهل الخبرة والرأى، ممن لا يملكون صلاحية اتخاذ القرار، لينقلوا لصانع القرار رأيهم المؤسّس على خبراتهم لينتفع به فى اتخاذ قراره. أما اللجنة العليا فهى لا تضم خبراءً فقط! بل هى لجنة شُكلت بتوجيه من القيادة السياسية فى يونيو 2021م، وصدر تشكيلها عن دولة رئيس مجلس الوزراء، ويرأسها معالى وزير الزراعة (السلطة التنفيذية)، وتضم فى عضويتها رئيس لجنة الزراعة فى مجلس النواب (السلطة التشريعية)، ورئيس الاتحاد العام لمنتجى الدواجن (الممثل الشرعى للصناعة)، والغرف التجارية، وممثلين لكبار وصغار منتجى الدواجن! فلو كانت مخرجات اجتماعها مجرد توصيات، فمن إذن يتخذ القرار وبأية سلطة؟ لقد كتبنا من قبل أن الصناعة توقعت من هذه اللجنة عند صدور التوجيه الرئاسى بتشكيلها منذ أكثر من عام خيراً كثيراً، حتى إن كانت لنا بعض التحفظات على تفاصيل تشكيلها عند صدوره من مجلس الوزراء. لهذا، فنحن عندما ننتقد اليوم أداءها فى الاجتماع الأخير، الذى جاء بعد عامٍ من الاجتماع الأول، لا ننتقده من موقع الكاره الراغب فى الهدم، ولكن من موقع المحب الحريص على تقويم البناء!! والآن فلنطالع ما نشرته الصحف حول التوصيات، ونقارنه بما كنا ننتظره من لجنة ضمت كل أقطاب القرار فى هذه الصناعة الحيوية ومختلف السلطات. أوصت اللجنة بالعمل على وجود سعر عادل للمنتجين! جميل جداً، ولكن كيف؟ كيف يكون هذا العمل؟ وكيف يتحقق هذا الوجود؟ كنا نتوقع أن تشكل اللجنة لجنة منبثقة لحساب التكاليف والتسعير، تكون مشكَّلة من خبير اكتوارى وثلاثة خبراء فى مجالات تربية الأمهات والتسمين والبياض لحساب سعر استرشادى يومى ونشره فى الصحف. وكنا نتوقع منها مكاتبة رسمية لجهاز حماية المستهلك، لإفادته بأن السعر الاسترشادى المؤسس على حساب التكلفة لا يتعارض مع قواعد المنافسة لأنه غير ملزم. بقية التوصيات كانت موجهة من اللجنة الموقرة إلى منتجى الدواجن!!! أوصت اللجنة بتوسع مصانع الأعلاف فى استخدام الذرة المحلية، وهو أمر لا يحتاج إلى توصية حالياً لأن نقص الذرة الصفراء المستوردة بسبب مشكلات النقد الأجنبى حقق رواجاً راهناً للذرة المحلية، لكن الذرة المحلية فى النهاية غير كافية لتغذية الإنتاج الداجنى. بمعنى أن التوسع فى استخدامها، وهو مطلوب، لن يغنينا عن حل مشكلات توافر النقد الأجنبى لاستيراد الذرة والصويا. كذلك أوصت المنتجين بالانتقال من نظام التربية المفتوح إلى المغلق، وهى توصية كان الواقع الوبائى أقوى فى فرضها على الواقع، فكل من يملك الموارد للانتقال قد انتقل بالفعل خلال السنوات الماضية لتقليل المخاطر الوبائية وتكلفة التشغيل. كذلك أوصت اللجنة بالتوسع فى عضوية الاتحاد العام لمنتجى الدواجن، ولكن كيف وعضويته غير ملزمة؟ ولا تحمل مزايا للأعضاء؟ كان أولى باللجنة الموقرة أن تكلف رئيس لجنة الزراعة فى البرلمان بطرح تعديل قانون الاتحاد ولائحته التنفيذية تحت قبة مجلس النواب، ولحين تعديل القانون، كان بوسع معالى وزير الزراعة أن يوجّه الأطراف المعنية بالوزارة باعتبار بيان عضوية الاتحاد شرطاً ملزماً ضمن مستندات ترخيص أية مزرعة أو شركة أو مصنع! بهذا، وبهذا فقط، يضم الاتحاد قواعد الصناعة!! كذلك أوصت الوزارة الاتحاد بتحديث البيانات الرقمية لمزارع الدواجن!! وهى توصية برأينا معكوسة!! فمن يملك السلطة والقدرة على حصر مزارع الدواجن هى وزارة الزراعة نفسها، فهى كسلطة تنفيذية تملك وحدها الحق فى أن تطلب من مزارع الجدود قائمة بعملائها، فتحصر بهذا مزارع الأمهات! وتطلب من مزارع الأمهات ومصانع الأعلاف قائمة دقيقة بعملائهم، فتحصر مزارع التسمين، وهكذا!! حصر التربية الداجنة لا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية وتنفيذية. كما أوصت اللجنة بضم الدواجن والبيض للبورصة السلعية، وهو أمر لا يحتاج إلى توصيات بقدر ما يحتاج إلى تذليل عقبات محددة، ووضع ضوابط، والاستفادة من خبرات عالمية معروفة فى مجال انتقال التداول السلعى إلكترونياً. وختاماً، جاءت توصية أوردتها بعض المصادر ولم توردها بعضها ولا نعلم مدى دقتها، وهل صدرت أم لا، تحدثت عن بورصة بنها للدواجن. فلو صدقت التوصية، فهى بدورها تحتاج من اللجنة العليا لمخاطبة محافظة القليوبية، وتحديد مهلة ثلاثين يوماً لتمكين الاتحاد من الأصول التى اشتراها واستثمر فيها منذ سنوات طوال! فإذا توانت المحافظة عن التمكين حق للاتحاد اللجوء للتقاضى بما لديه من أوراق الملكية. ربما كانت آليات الزمن قد تجاوزت فكرة البورصة «المكانية»، لكن تمكّن الاتحاد من تلك الأصول يمكّنه بالتالى من تمويل بورصة إلكترونية تخصه لو أراد! وفى النهاية هى أصول مملوكة له، ولا يليق بالاتحاد أن يضعف عن تحصيل حقوقه، وإلا كان عن المطالبة بحقوق المنتجين أضعف! ذات يوم فى أربعينات القرن العشرين، قال مكرم عبيد باشا، رحمه الله للمجتمعين: «أيها السادة، انقضوا أو انفضوا»، ليقطع حواراً طويلاً كان يدور فى ظل ظرف دقيق يحتاج إلى الفعل الإيجابى أكثر مما يحتاج إلى الكلام. اليوم، وفى ظل ظروف تكالبت فيها على صغار المربين مصائب نقص المواد العلفية من جهة، وتدنى أسعار الدواجن والبيض من جهة، حقٌ لنا أن نخاطب اللجنة الموقرة لنقول لهم، بكل الود والاحترام: يا سادتنا، استوصوا بالصناعة ولا توصّوا! قرروا أفعالاً ولا تكرروا أقوالاً!!! جعلنا الله وإياكم ممن تواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر!!