■ حينما تستمع للتحليلات السياسية التى تتحدث عن تأثر الاقتصاد الخليجى -وبصفة خاصة السعودية- بتراجع أسعار النفط ومخاوف الولاياتالمتحدة من تأثير ذلك على اقتصادها وتفكيرها فى اللجوء للنفط الصخرى! فتوقف وعُد للتاريخ واعلم أن منطقة الخليج بأكملها صارت فى معية الغرب منذ اكتشاف النفط به، وأن المملكة السعودية -بصفتها أكبر مصدر للبترول- وقعت فى العام 1974 اتفاقية مع الإدارة الأمريكية تقضى بربط تصدير البترول بالعملة الأمريكية فيما عرف باسم «البترودولار». ولذا لا تصدق تصريحات السيناتور الأمريكى جون ماكين حينما يقول إن المملكة العربية السعودية هى المسئولة عن الانهيار بالاقتصاد الروسى أكثر من مسئولية سياسات باراك أوباما. فالمملكة لا تستطيع خطو تلك الخطوة من دون الموافقة الأمريكية عليها. واعلم أن إصرار روسيا على الحفاظ على نظام بشار الأسد يستحق خسارة المليارات من سعر النفط السعودى والخليجى. وصدّقه فيما وجهه من شكر للمملكة على القيام بتلك الخطوة، ولا تبك على عروبة أو قومية، فقد رحل من دعا لها ودفع الثمن من أجلها. ■ وحينما ترى ما ترى من لوغاريتمات السياسة العربية التى لا تبحث فى سنواتها الأخيرة إلا عما يحمى العروش قبل الأوطان، فتساءل: كيف استغل الغرب نظرية «الشيخ والقبيلة» وكيف أدركوها وفطنوا لها وعززوا العمل بها؟ لقد أدركوا أن كل صاحب مُلك فى بلادنا العربية يتعامل مع مصالحه بمنطق شيخ القبيلة الذى لا يعنيه من أمر جيرانه شىء، ويعتبر نفسه دوماً أفضلهم. ويعيش على منطق أنه طالما أن الغنم ترعى والكلأ متوافر والخيم مستقرة والولدان يتناسلون، فإنه لن ينشغل باشتعال النار فى قبيلة جاره، أو الإغارة عليه من قبل اللصوص وسبى نسائه وأبنائه. نعم أدركوا أن أسس التعامل فيما بيننا لم تتغير منذ سنوات العيش فى صحارى البداوة. وأننا ما زلنا نعيش فى جلباب القبيلة مهما تغيرت ماركات العقال. ■ وحينما ترى حال ليبيا واليمن، فلا تنس أن تترحم على اليمن السعيد وبلاد عمر المختار. فلا عودة لمفهوم الدولة فى كلا البلدين ولو بعد مائة عام حتى إن وُجد من يريد ذلك، وضع تحت عبارة «من يريد ذلك» ما تشاء من خطوط. فقد غابت البصيرة عن ناسهما وغلبت المصلحة الخاصة فكرة الوطن، وبات ظلام الفكر قائداً فى عالم اللامنطق. وبات مُحرك الدُمى على الأرض ممسكاً بخيوط المسخ وهو جالس على مقعده فى تل أبيب. ■ وحينما ترى بعض المعارضين فى بلادى وهم يتحدثون ليل نهار عن سواد الليل الذى كُتب علينا، فلا يرون فى نقطة ضوء بشارة ولا يعتبرون بما يحدث حولنا، ولا يسعون لطرح رؤية، ويرون فى كل نصيحة أنه فات موعدها، وفى كل نقد فرصة لإثبات خراب مالطة.. فاعلم أن بيننا من يصر على قتامة المشهد وإحباط الهمم واستمرار الوجود عبر حمل كلمة «معارض». فهى التى تمنحه وجوداً إن لم يكن رزقاً. وتمسَّك بوطنك واسْعَ لبناء فى مرحلة شديدة المراس، مهما كانت العقبات. وتذكر أن أعظم تغيير تفعله هو أن تغير ذاتك للأحسن.