ليس مجرد صرح قديم يضم بين طياته تاريخ الفن المصرى، يكبر ليتجاوز عمره مائة عام، يقف بشموخ فى مكانه، تتعاقب عليه العصور والأزمنة، تتغير من حوله معالم الحياة وهو ثابت لا يتغير، بطراز معمارى مميز، تبرز به النواحى الجمالية التى تنبئ عن فنان تأثر بطراز النهضة الأوروبية، استعان به ذلك الذى طمح يوماً إلى أن يجعل من القاهرة «قطعة من أوروبا»، ليعود المسرح القومى إلى الحياة بعد أن أنهكه الإهمال وتوقف عن النبض لمدة 6 أعوام كاملة. «المسرح القومى»، بناء صغير فى الطرف الجنوبى من حديقة الأزبكية بمنطقة العتبة، خصصه الخديوى إسماعيل للمسرح الكوميدى الفرنسى، لتبدأ معه حكاية المسرح فى عام 1870، من خلال عدد من الفرق المسرحية. شهد المسرح مخاض التجربة الأولى عندما بدأت فرقة يعقوب صنوع عرض مجموعة من أعمالها المسرحية، كما شهد أول موسم مسرحى لفرقة أبوخليل القبانى بالقاهرة لتشهد خشبته موطئ أقدام رواد المسرح الأوائل منذ بزوغ شمسه فى مصر. أصبح المسرح فى ذلك الوقت واجهة الطبقة الأرستقراطية والأجانب، وفى الوقت نفسه تعددت الفرق المسرحية ليحدث نوع من الزخم الثقافى والفنى على مسرح القاهرة، فشهد عام 1905 العروض الأولى لفرقة الشيخ سلامة حجازى، وتبدأ بعدها الدعوات بإنشاء مسرح وطنى وسط مطالبات بخروج قوات الاحتلال الإنجليزى من مصر بعد الحرب العالمية الأولى. يأتى عام 1921 بمرحلة جديدة على المسرح فى ذلك الوقت، ليشيد «تياترو حديقة الأزبكية» فى نفس الموقع القديم ولكن بتصاميم جديدة أُسندت للمهندس الإيطالى فيروتشى، مدير عام المبانى السلطانية آنذاك، وتحل الزخارف العربية محل الأوروبية فيشكل نمطاً فريداً بين المسارح المصرية على المستوى العام، كما يقدم أربع مسرحيات يومياً، يكتمل الأمر بإنشاء الفرقة القومية المصرية لتقدم عروضها، وهو الأمر الذى لم يستمر طويلاً، ليتم حلها عام 1942 بعد أن تدخل فى صراع مع السلطة بسبب تقديم أعمال ضد الاحتلال. عام 1952 اكتسب المسرح اسمه الحالى عقب ثورة يوليو، واستمر معه حتى اليوم، وصاحب الاسم الجديد تأسيس «الفرقة القومية المصرية» مرة أخرى و«فرقة المسرح المصرى الحديث»، ليشهد فى ذلك الوقت رواجاً فنياً غير مسبوق بدأ معه تاريخ موازٍ للمسرح المصرى. فى مساء يوم 27 سبتمبر عام 2008 أسدل المسرح العجوز ستائره للمرة الأخيرة بعد أن التهمته النيران دون هوادة ليستمر الحريق لمدة ساعتين نجحت فى نهايتهما 30 سيارة مطافئ فى السيطرة على الحريق. وبعد مرور 6 سنوات يعود المسرح القومى إلى العمل مرة أخرى، بعد أن تقرر إعادة افتتاحه وسط حضور رئيس الوزراء وعدد كبير من الفنانين، وعرض مسرحية «وبحلم يا مصر»، ليأتى الافتتاح بعد طول انتظار، ويعيد للمسرح بريقه المعهود على مر عصور مضت.