كثر الحديث عن الملحدين خلال الأيام الأخيرة، فأعلن الأزهر أن عددهم 866، ثم كانت واقعة «مقهى الملحدين» بوسط البلد الذى قرر محافظ القاهرة إغلاقه ضمن حملة أوضح أنها كانت تستهدف رفع الإشغالات وإغلاق المقاهى غير المرخصة. لم يكن الأزهر يتحرك بعقل عندما حدد أن هؤلاء الذين سماهم ب«الملحدين» هم ملحدون، وقرر أن عددهم، طبقاً لإحصاءات معينة اعتمد عليها، يبلغ 866، ولم يكن هناك منطق يستند إليه مَن صنّف «مقهى الفلكى» حين صنّفه على أنه مقهى إلحادى. نحن أمام حالة هزل لا تقل سخفاً عما يفعله البعض عندما يصنفون البشر بأن هذا كثير الإيمان، وهذا قليله، وذلك عديمه. فمن هذا الذى يمتلك القدرة على تحديد أن هذا الشاب ملحد وأن هذا مؤمن؟ هلا شققت يا هذا عن صدر الإنسان الذى تتهمه بذلك؟ يكفى لأى مسلم أن يراجع الآية رقم «40» من سورة فصلت ليفهم حالة السخف التى وصلنا إليها ونحن نتناول هذا الموضوع، يقول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ». والإلحاد فى هذه الآية معناه الميل عن الحق، والمغالطة عند مناقشة الحقائق الواضحة، وقد ورد فى تفسير «الطبرى» أن المقصود بالإلحاد فى الآية الكريمة ما كان يقوم به المشركون من صفير ولغط عند الاستماع لآيات الله تعالى، تعبيراً منهم عن المعارضة. ومن اللافت أن القرآن الكريم حدد أن هؤلاء لا يخفون على الله، دلالة على أنهم كانوا يخفون عن المؤمنين، لأن موقفهم الإيمانى لا يستطيع بشر أن يستقرئه أو يستنبطه، والأعجب فى الآية الكريمة أن الله تعالى منح هؤلاء الحرية كاملة فى أن يعملوا ما يشاءون، لأنه سيحاسبهم على أعمالهم يوم القيامة، فإذا كان المولى عز وجل قد منح هؤلاء الحرية فكيف لبشر أن يبرر لنفسه أن يطارد من شق عن صدره وقرر أنه ملحد؟! أذكر أننى تناولت موضوع الإلحاد منذ عدة أسابيع، وقلت لك إن الشباب المتهم بذلك لا يصح أن يطلق عليه هذا الوصف، لأنه ببساطة شباب يوجعه السخف الذى يمطره به دعاة ومشايخ يتحدثون فى الدين كما يحلو لهم، ولا يجيدون تناول أبعاده ولا قيمه ولا تعاليمه إلا من زوايا تقترب من الدجل والتخريف، فهم أبعد ما يكونون عن التأصيل العقلى الذى يتناغم مع أسلوب العصر الذى نعيشه عند تقديم الخطاب الدينى. يخرج علينا واحد منهم فيستغرق فى الكلام عن الجن ومخاواته لبنى آدم، ثم يعرج إلى حكى الغث من كتب التراث والقصص والحكاوى التى تفتقر إلى العقل أو المنطق، ويسبح فيها بخياله الجاهل الذى لا يُطرب إلا من هو أجهل منه. بالله عليكم، كيف يمكن أن يستمع عاقل إلى هذا الهراء ثم يتقبله ويؤمن به؟! شبابنا بخير، وبعيد أشد البعد عن الإلحاد، ومن العيب أن نطارد نفراً منه بهذه التهمة، فهذا النفر كما ذكرت لا يعجبه حالة «الاستقالة الجماعية للعقل» التى يعيشها المجتمع حين يتحدث عن الدين.