فى لقائه مع علماء مصر واحتفاله بعيد العلم خلال الأسبوع الماضى، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى أوامره إلى القائمين على صندوق «تحيا مصر» بمضاعفة المبلغ المخصص للبحث العلمى، تشجيعاً للعلماء، وإدراكاً منه، عن حق، بأنه لا نهضة حقيقية يمكن تحقيقها فى هذا البلد بدون قاعدة علمية سليمة، وبدون كفاءات قادرة على التفكير، وعقول قادرة على الإنجاز، وباحثين يعون حركة البحث الدولية وقادرين على الاندماج فيها والتعامل الجدى معها. ودعونا نقول إن ألف باء التطوير المنشود يبدأ بإحياء حركة الابتعاث الخارجى من جديد، ولكن بقواعد جديدة، وبقوانين جديدة، تؤدى فى النهاية إلى تحقيق الأهداف المنشودة من ورائها.. ودعونا نزعم أنه لا يوجد بديل آخر لهذا الموضوع.. فالتطوير من الداخل شبه مستحيل فى ضوء تزايد الفجوة المعرفية بيننا وبين المجتمعات العلمية المتقدمة، والتطوير من الداخل يشبه إعادة تدوير الأفكار الموجودة بدون إضافة حقيقية لها، أو استفادة عملية منها.. ومقارنة سريعة لحال الجامعات المصرية عندما كانت حركة الابتعاث موجودة مع حالها الآن ينبئ عن الفرق، ويدلنا على التأثير.. غير أن الابتعاث وحده ليس ضامناً لعملية التحديث ما لم يعقبها مجموعة من الإجراءات الضامنة لعدم ضياع قيمة هذه الموارد على الدولة. لا أذيع سراً عندما أشير إلى أن تكلفة حصول أى طالب على الدكتوراه من الخارج فى أى جامعة علمية معتَرف بها تتراوح بين مليون ومليونى جنيه مصرى، بمتوسط يصل إلى 200 ألف دولار تقريباً للطالب الواحد.. هذه المبالغ الطائلة لا تستفيد منها الدولة شيئاً فى ضوء القواعد المعمول بها حالياً، والتى تقضى ببقاء مَن يحصل على الدكتوراه من الخارج فترة ثلاث سنوات فى الكلية بعد رجوعه، وله بعد ذلك أن يسافر إلى أى مكان. أى إن الدولة تنفق مليونى جنيه على الطالب فى سبيل أن يقضى ثلاث سنوات فقط فى الكلية. وفى الغالب يسافر الطالب الذى حصل على الدكتوراه بعدها إلى البلد الذى حصل منه على الدكتوراه، أو يسافر إلى الدول العربية حيث الفرص الأوفر مادياً.. وتبقى الكلية بدون أى إضافة حقيقية، وبدون أى عائد على الدولة. وبسبب ذلك أصبحت هناك مقولة شائعة تقول «اللى سافر سافر»، وتشير سافر الأولى إلى سفر الحصول على الدكتوراه، والثانية إلى الهجرة أو الإعارة. فمن يسافر أولاً يسافر ثانياً.. وبنظرة إلى جامعاتنا نجد أن نسبة كبيرة ممن حصلوا على الدكتوراه من الخارج إما فى إعارة خارجية، أو فى إجازة خاصة بصفة مرافق للزوج أو للزوجة.. ولا يوجد فى الجامعات إلا من لم تتح له الفرصة للسفر، أو من سافر حتى ملّ السفر. فى كلية الإعلام التى أتشرف بالانتماء إليها لا يوجد حالياً أى طالب ممن أتيحت لهم فرصة السفر إلى الخارج والحصول على الدكتوراه على نفقة الدولة خلال العشرين سنة الأخيرة. جميعهم سافروا، وجميعهم خارج الوطن.. وكأن الدولة لا دفعت ولا أنفقت، وكأنك يا أبوزيد لم ترسل مبعوثين إلى الخارج ولم تدفع مئات الآلاف من الدولارات.. إننى أقترح، حفاظاً على مال الدولة، وتحقيقاً للاستفادة القصوى ممن سافروا إلى الخارج على حساب الدولة، أن يُعتبر من حصل على هذه المنحة فى عداد الجنود، وأن يتم اعتبارهم ضمن القوات المسلحة بحيث لا يجوز لهم السفر للخارج إلا بعد عشر سنوات على الأقل، يكونون خلالها قد أسهموا فى تحسين مخرجات الجامعات، وفى تطوير البحث العلمى فى مصر. ومن يرفض هذا الشرط فعليه أن يدبر تكاليفه، وليدع الفرصة لمن يقبل بشرط خدمة الوطن. فى ظروف الحرب، وفى الحالات الاستثنائية، مثل التى نعيشها حالياً، يجب أن تكون مصلحة الوطن فوق مصلحة الأفراد، ويجب أن يتحمل كل منا مسئوليته. وليس معقولاً أن نأخذ من الوطن كل شىء، ونرفض أن نضحى من أجله بأى شىء.