بين غريزة البقاء وابتسامة الأمل ارتسمت مشاهد تلقائية مبهجة شديدة الأسى والرهافة على وجوه مصرية جمعت بين الشيوخ والكبار والأطفال، وذلك عندما هبط فجأة عليهم فى الأسبوع الماضى رجل متخفٍّ فى زى شخصية «الرجل العنكبوت» (سبايدر مان Spider-Man) الشهيرة يثير حالة من الدهشة الفرحة مختلطة بالهياج العاطفى الصادم والمؤلم والمسجل فى نفس الوقت لواقع وحقائق شعب يكافح للبقاء بغريزته الفطرية!! القصة بدأت، كما تناولتها وسائل الإعلام المحلية والغربية، عندما قرر شابان تصوير المعاناة اليومية التى يتعرض لها المواطن المصرى بهدف القول أن لا أحد يستطيع تحمل هذه الأعباء حتى لو كان «سبايدر مان» بنفسه أو أى شخصية أخرى عُرفت بقواها الخارقة التى تمكنها من مساعدة الناس فى أزماتها المختلفة، وكان من أشهرها أيضاً شخصيات «سوبر مان والرجل الأخضر وبات مان» وغيرهم من الشخصيات التى ابتدعتها إمبراطورية هوليوود الأمريكية. وعلى الرغم من أن هذا الحدث كان قادراً على ترك ابتسامة كبيرة على وجوه كثير من المصريين، فإنه فى نفس الوقت دق جرساً يحمل أصواتاً حزينة من قلوب مهمومة مثقلة بالأعباء ولكنها انشرحت فى لحظة من الخيال المفعم بالأمل لربما يكون هبط بالفعل منقذ من السماء يحمل من البشائر والأفعال ما يمكن أن يحقق لهم الأمانى ويزيح الأثقال!!! هذه السذاجة العفوية، وإن كانت لحظية، مؤلمة وجارحة فى الأعماق، تعبّر عن مأساة شعب فقد حماس الهمة وقوة «المعافرة مع الحياة» وينتظر المنقذ الذى يأتى له بالمساعدة والحلول، وهو شعور لا يختلف كثيراً عن تجربة سابقة مر بها من شهور عندما سار وراء رئيسه الجديد.. منقذه.. بطله .. ساحره وملاكه. وهو كله أمل انتظاراً منه أن يحقق له المعجزات! الأمر الذى يثير الفضول والتساؤل عن طبيعة هذا الشعب وقدرته الحقيقية على النضال من أجل الأفضل والقيام بذلك بشخصه، بمفرده وليس عن طريق بطل أسطورى من الخيال أو بطل آخر له فى النهاية حدود لصنع المعجزات وحده. إن هذا الحدث الذى أخرجه إبداع أحد العقول المصرية الشابة ما هو إلا دليل يحلل هذا التفسير ويضعنا أمام قضية هامة ليست بجديدة علينا وهى هذا التكاسل وهذا الاعتماد على الآخر، وهذا التحميل الثقيل المعبأ دائماً باللوم والنقد المستمر إن لم يتمكن الآخر من تحقيق المطالب والقيام بالأعمال التى من المفترض أن يقوم بها الجميع وليس فرداً! ولكنه شعور أصبح متفشياً فى المجتمع على جميع مستوياته وأعماره نابع من أسلوب تربية ومن عوامل اجتماعية سيكولوجية وتاريخية ما زالت راسخة فى وجدانه وتركيبته النفسية. وصحيح أن إحداث «نقلة» أو تغيير فى هذا السلوك الراسخ قد يأخذ وقتاً، إلا أنه ينبغى أن يكون هناك بداية حاسمة تستهدف بجدية العمل على خلق هذا الشعور بالمسئولية الفردية وقدرتها على تحميل نتائج أفعالها أو جنى ثمارها مع التأكيد فى نفس الوقت على مسئولية العمل الجماعى. ولا يعنى هذا الكلام أننى أقلل من حجم الأعباء الجسيمة التى يتحملها ويتكبدها يومياً المواطن المصرى والتى هى بلا نقاش تُعتبر عاملاً سلبياً لا يشجع على الاندفاع إلى الأمام أو الأفضل، ولا أملك فى ذلك إلا أن أنحنى وأرفع له القبعة، فهذه الغريزة الفطرية للبقاء تجعلهم كلهم هذا الرجل الخادم!! فهم يملكون من الطبيعة الفطرية للبقاء ما يجعلهم أسطورة ربما تصلح كل شخصية منهم أن تكون إلهاماً لهوليوود، على الأقل هم من واقع الحياة وليس الخيال!!! ولعل الشاب المبدع لهذه الفكرة وهذا الحدث، والذى نشأ فى منطقة بولاق الشعبية، هو نموذج حى لحياة مثقلة بالأعباء شاركها مع أبناء منطقته، ولكنه استطاع بإبداعه وخفة الظل أن ينقل مشاهد لبؤساء تلمس القلب.. تتحدى أى قلم وأى فيلم سينمائى، وهذا ما نطلق عليه الإبداع البناء.