قلمت أظافره وهذبت شاربه ثم ألبسته ثوباً أبيض، بعد أن سكبت الماء على جسده النحيف، ونظرت إليه بعيون دامعة، كأنها تودعه أو تُكفنه قبل دفنه، ولا تكف عيناها المتعبتان عن ترديد عبارة واحدة هى: «مش بإيدى يا ابنى». «زهيرة محمد على حسانين»، التى تعمل «مغسلة» لنساء عزبة «بنون» بالبحيرة، تعود إلى منزلها يومياً وقد عششت فيه رائحة الموت، لتتولى رعاية 4 شباب مرضى بأمراض مختلفة ونادرة، أدت إلى إعاقتهم كلياً، لا يبرحون الفراش ولا يقوون على الوقوف والحركة، ما دفع الأم المكلومة إلى تسميتهم «الأموات الأربعة». السيدة الستينية اعتادت أن تكدح بعد أن تسلمت جثة شريك الحياة من مستشفى دمنهور، إثر موته بفيروس نادر، فوهبت حياتها لأبناء تساقطوا واحداً تلو الآخر بميراث أبيهم من المرض النادر، وتقول: «طول عمرى بخاف من الموت، اشتغلت مغسلة رغم إنى مش بحب الشغلانة دى، علشان خاطرهم، وولاد الحلال بيساعدونى باللى فيه النصيب». كل ما تطلبه السيدة البائسة علاج أحد الأبناء على نفقة الدولة، قائلة: «حيلى اتهد، وعيالى بيموتوا قصاد عينى، واللى بيمن علىّ بفلوسه النهارده، بكرة هيزهق، ده تمن الحقنة الواحدة 100 جنيه».