فى الخلفية الباهتة وقف الصبى مشدوهاً وهو يستمع ويستمتع بصوت عبدالحليم حافظ يغنى «باحلم بيك».. كجزء من مشهد فى فيلم «حكاية حب»، لم يلفت الصبى انتباه أحد، استعرضته الكاميرا كما تستعرض صفوف الكومبارس الصامت بشكل عابر.. لم يتوقع أحد أن يتحول هذا الصبى إلى «نجم سيما» فى سنوات معدودة، فينتقل من خلفية المشهد إلى صدارته، يمثل ويغنى ويقدم برامج، ويحفر بأظافره لنفسه تاريخاً يتجاوز الزمن والأحداث والمواقف السياسية والفنية. 85 عاماً تقريباً عاشها النجم سمير صبرى بالطول والعرض، قضى منها عمراً طويلاً تحت وهج أضواء الفن المثيرة، مصادفة ألقته فى طريق عبدالحليم حافظ، ومصادفة قادته إلى عالم الفن، فراح يتنقل بين التمثيل فى السينما، والتقديم فى «البرنامج الأوروبى»، الذى استحدثته الإذاعة المصرية فى خمسينات القرن الماضى، وعندما بدأ التليفزيون المصرى بث موجاته فى الستينات حجز «صبرى» لنفسه مكاناً بين نجومه، ليعتلى القمة ببرنامجه الشهير «النادى الدولى»، الذى يحلو للبعض أن يؤرخ به ظهور فن ال«توك شو» فى المنطقة العربية كلها. أدوار عديدة لعبها «صبرى» على شاشة السينما، تنوعت ما بين الخفيفة والكوميدية والتراجيدية السوداء، وغنى وأنتج لنفسه وللآخرين أفلاماً متعت الجماهير العربية، وأسعدتها، وتركت علامة هامة ليس من السهل محوها من تاريخ السينما، وعلى شاشة التليفزيون كان النجاح حليفه فى برامج المنوعات التى قدمها، ولم ينتقص من نجاحه إيقافه القسرى عقاباً له على استضافته للراقصة المغمورة وقتها «فيفى عبده» التى تلفظت بعبارات عدها بعض السياسيين تجرؤاً على مقام الرئيس السادات، الذى كان يحكم مصر فى ذلك الوقت، حين قالت إنها تعلمت الرقص فى قرية «ميت أبوالكوم»، مسقط رأسها ورأس الرئيس. دخلت حكاية «النادى الدولى» تاريخ «صبرى» من أوسع الأبواب، ومعها حكايات أخرى غزل الناس خيوطها، ولفوها حول رقبته، لتطارده وتكاد تخنقه، حتى أيامه الأخيرة، وكان مثيراً للأسى والأسف معاً أن ينسى الناس الدور الهام الذى لعبه «صبرى» فى تاريخ الفن المصرى، وثقافته الفنية الموسوعية، ودوره الإنسانى الذى عرف عنه فى رعاية مرضى الفنانين، ويشغلون أنفسهم بحياته الخاصة، وعلاقته بنجمة شابة صاعدة، وموقفه من الزواج، بل ويشغلونه هو بالرد على كل تلك الشائعات، وكأنه يدفع عن نفسه تهماً متلاحقة ليس لها نهاية، ولا بداية، وبدا وكأن المشاهدين لا يعرفون الفنان الذى عاش وسطهم لسنوات طويلة، وضع القدر خاتمتها أمس، حين رحل «صبرى» عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، مسدلاً بذلك الستار على مرحلة هامة من تاريخ الفن المصرى الذى يبدو أنه سيفتقده طويلاً.