«باب الوداع» هو اسم الفيلم الذى شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى فى دورته السادسة والثلاثين، وهو عمل يمثل حالة سينمائية بامتياز، ويمثل أيضاً حكاية كفاح لصانعيه، وفى الوقت نفسه هو جزء من حل معضلة كبيرة تمر بها السينما المصرية الآن. نبدأ بالتكلفة الإنتاجية للفيلم التى لم تزد بأى حال على 600 ألف جنيه، ورغم هذا المبلغ الضئيل الذى ظل مخرج الفيلم كريم حنفى يجمعه ويلملمه على مدار أربعة أعوام فإن المحصلة رغم ضعف وفقر الإنتاج كانت منتجاً سينمائياً متكاملاً أفضل بملايين المرات من أفلام تكلفت الملايين. وبمحاولة بسيطة لتحليل تكلفة إنتاج أحد الأفلام المسفة الهدامة الأخيرة لوجدنا أجر أحد النجوم يصنع عشرة أفلام من نوعية «باب الوداع» فما بالك لو كانت هناك خطة تتبنى إنتاج مشاريع سينمائية متعثرة يبحث منتجوها عن دعم، وهنا يظهر دور الدولة فى المقام الأول، لأن هذا واجبها، فلا يجب أن يقتصر الأمر على بعض منح التفرغ التى تعطيها وزارة الثقافة بين الحين والآخر وإنما علينا أن نؤسس لصناعة سينمائية متكاملة تتحرك على محاور كثيرة، إنتاج مشاريع روائية طويلة، وفى الوقت نفسه التركيز على سينما الشباب قليلة التكلفة، وهنا لا يقتصر الأمر على الإنتاج فقط بل يجب إتاحة الفرصة كاملة لإمكانية عرض هذه الأفلام عرضاً تجارياً للجمهور عبر تخصيص شاشة عرض فى كل دار من الدور الكبيرة متخصصة فى عرض أفلام الشباب. كما أننا نطمح أن يخصص كل منتج من منتجى السوق جزءًا من ميزانيات إنتاجه لفيلم أو اثنين من هذه النوعية من الأفلام الجديدة. مع الوقت سنكتشف أننا أمام حالة سينمائية تمثل جيلاً جديداً، حالة تفرخ لنا مواهب جديدة فى كل المجالات ومع الوقت لن يكون هناك جنون أجور النجوم ولن يكون هناك احتكار لذائقة الجمهور من قبل منتج ليس لديه ما يؤهله للإنتاج سوى أنه يملك المال وفقط. قصة «باب الوداع» تبدأ قبل الانتهاء من الفيلم، تبدأ من إرادة كريم حنفى الكاتب والمخرج الذى حلم بالفيلم فكرة ثم كتبها وراح يبحث عن ممول فلجأ إلى وزارة الثقافة لتعطيه منحة تفرغ لم تكفِ لإنتاج رُبع الفيلم فظل متعثراً على مدار أربعة أعوام يبحث عمن يساعده، اقترض من أصدقائه، أنفق كل ما يملكه، وكل ما يملكه بسيط، شاركه أصدقاؤه من صناع الفيلم بلا أجر وهكذا نجوم مثل سلوى خطاب. فى المحصلة نحن أمام روح جديدة فقدتها السينما المصرية بعد أن حولها تجارها إلى سبوبة أو بزنس، تلك الروح القتالية لإنجاز فكرة تتحول إلى فيلم ذى مشهدية بصرية عالية، هذه الروح تؤكد أن الأحكام التى صدرت على هذا الجيل هى أحكام ظالمة، فتجربة «باب الوداع» كشفت لنا أننا أمام جيل صبور دؤوب، مؤمن بيقينه الإبداعى، وغير متسرع، وغير قابل للإحباط والانهزام. ربما كانت درامية قصة صناعة الفيلم فى حد ذاتها أكثر درامية وتشويقاً من درامية الفيلم نفسه لأنها درامية متشابكة مع الواقع المعاش المتشابك فى خيباته وفى طموحاته أيضاً، بعكس درامية الفيلم التى أرادت التحليق بعيداً عن الواقع واختارت المعانى المجردة فى فهم الموت والحياة والعزلة والاندماج، أراد الفيلم أن يكون مختلفاً فى كل شىء حتى فى ألوانه التى حرص مخرجه على أن تكون بين الأبيض والأسود، مستعيدة بهاء سينما شادى عبدالسلام فى المومياء، وأراد أن يخرج الأبطال بعيداً عن الحوارات الممطوطة إلى حوار النفس وصراعها، نتمنى أن يكون «باب الوداع» باباً للفتح أمام سينما جديدة تصارع من أجل مخاض يليق بها.