بمناسبة الحديث مؤخراً عن إعادة إحياء فكرة «الشباك الواحد» لجذب وتسهيل وتشجيع الاستثمار، أضع أمام المسئولين هذه التجربة.. تجربة «الشباك الواحد، والموظف الوحيد» فى المغرب: فبعد رحيل محمد الخامس، ملك المغرب.. اكتشف ابنه محمد السادس أن «الفساد» نخر فى الجهاز الحكومى، وانتشر كالسرطان فى كل مفاصل الدولة، وأصبحت شكاوى المستثمرين هى الشغل الشاغل للملك الشاب.. للقضاء على البطالة، وخلق فرص عمل، وبما أن العالم لم يخترع لحل هذه المشكلة سوى: جذب الاستثمار وتشجيعه، وإزالة كل معوقاته، وصناعة «مناخ» وبيئة حاضنة لكل مستثمر جاد، لهذا فكَّر الملك الشاب مع معاونيه ومستشاريه للإجابة عن السؤال: كيف يقفزون على «البيروقراطية» «والروتين» اللذين أديا إلى «الفساد»؟.. «الفساد» الذى تسبب فى تطفيش الاستثمارات الجادة، ولم يجذب سوى «النشالين»، «والمفسدين»، و«الحرامية»، الذين يعتمدون سياسة «اخطف واجرى»، ويساعدهم فى ذلك جيش الموظفين الحاقدين والفاسدين، الذين كونوا مافيا وعصابات.. وكان الحل فى: «الشباك الواحد» فى كل «ولاية».. يتقدم لها أى مستثمر محلى أو أجنبى. وخلف «الشباك الواحد» «موظف واحد».. يستلم «طلبات» أو «ملف» المستثمر (مستوفياً كل البيانات)، وخلال 60 يوماً عليه بالرد على المستثمر، وإذا مرت الستون يوماً بلا رد، فهذا يعنى «الموافقة» أوتوماتيكياً. وإذا عجز «الموظف» عن إعطاء الموافقة لسبب ما.. فعليه رفع الأمر إلى «الوالى»، المحافظ عندنا، و«الوالى» عليه الرد خلال 30 يوماً بحد أقصى، وإذا لم يرد بالرفض، فالموافقة تصبح نهائية. وكان السؤال: كيف نحمى «الموظف» الوحيد الذى يتعامل مع المستثمر من «الفساد»، ومن التعالى على المستثمرين؟ - أولاً: تم اختيار 6 أشخاص من كل «محافظة» أو «ولاية» تتوافر فيهم كل مقومات ومؤهلات ومواصفات وشروط هذه الوظيفة الحساسة، وتم إرسالهم فى بعثات تدريبية بفرنسا لستة أشهر. - ثانياً: تمت التصفية على «واحد» و2 مساعدين فقط لكل شباك بكل «ولاية» بمرتب شهرى يبدأ من 6 آلاف يورو + «مكافأة سنوية» للموظف الوحيد، طبقاً لترتيب محافظته فى حجم الاستثمارات السنوية بالمقارنة بزملائه فى باقى المحافظات، و«حوافز» مادية ومعنوية للطاقم المساعد له فى كل شباك، والمعايير تتلخص فى: (1) حجم الاستثمارات التى دخلت المحافظة (2) سرعة الإنجاز باليوم (3) شكاوى المستثمرين.. ومن يثبت «فساده» تجده وراء القضبان. - ثالثاً: تتم محاسبة كل «والى» على حجم الاستثمارات التى تدخل محافظته سنوياً، وهى الشرط الأساسى لاستمراره «والياً» أو محافظاً.. وبدأ التنافس بين المحافظات، وبين الموظف الواحد مع زملائه فى المحافظات الأخرى. باختصار: «شباك واحد».. «وموظف وحيد».. المستثمر يتقدم بملفه «مستوفياً كل الأوراق والطلبات».. «للموظف الوحيد».. وخلال 60 يوماً يحصل على الموافقة. وإذا كانت طلبات المستثمر لها وضع خاص ليست فى سلطات هذا الشباك.. فيرفعها «الشباك الواحد» من خلال «الموظف الوحيد» إلى المحافظ (الوالى) وخلال 30 يوماً يصله الرد، هناك «الوالى» لديه سلطات رئيس الجمهورية.. سلطات كاملة، وليس تفويضاً من وزير أو رئيس وزارة.. وهذا هو «جوهر» اللامركزية.. هذا الاقتراح قدمته إلى د.عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، فى 2002، وخلال ساعة ونصف من النقاش والشرح فى حضور د.صفوت النحاس، مدير مكتبه، اتفقنا على كل التفاصيل التى قدمتها مكتوبة، واختلفنا على «الموقع»، موقع «الشباك الواحد»، وكنت مقترحاً أن يكون هذا «المبنى»، مبنى الشباك الواحد، فى أول الطريق الصحراوى، أو بميدان الرماية.. بعيداً عن وسط العاصمة المزدحم.. وفاجأنى رئيس الحكومة بأنه منعاً للمشاكل.. فلديه مكان سهل ومضمون بأرض المعارض.. وأقيم المبنى (مبنى هيئة الاستثمار) بشارع صلاح سالم، الذى نعرفه الآن وتنعقد فيه اجتماعات مجلس الوزراء، ولا يمكنك الدخول إليه الآن إلاّ بعد سين وجيم لوجود «محلب» والوزراء فيه. المهم: أنه بعد اكتمال «المبنى» (وكالعادة) عند تسليمه للدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار وقتها، حدثت «خناقات»، وصراعات على «من يجلس فين»، فكل واحد طمع فى «المكتب» الأوسع، والمكتب المطل على «الفيو» الأفضل.. ولم يتم تطبيق «النُص» الثانى من الفكرة (الموظف الوحيد). وانتهت القصة بأن «أُجهضت» الفكرة، وفُرغت من مضمونها، رغم طنطنة الصحافة والإعلام وتهليلهم «للشباك الواحد» ولعاطف عبيد ومحمود محيى الدين على هذا الإنجاز! اليوم.. وبما أننا بصدد إعادة إحياء هذه الفكرة.. فكرة «الشباك الواحد» لندرس أهمية «الموظف الوحيد» فى هذا الشباك.. بحيث لا يتعامل «المستثمر» مع أى شخص سوى هذا «الموظف». «شباك واحد، وموظف وحيد» لقطاع الزراعة.. «شباك واحد، وموظف وحيد» للسياحة، وللتعدين والثروة المحجرية.. إلخ، وهذا الموظف الوحيد هو الذى يتعامل مع باقى الموظفين أياً كان عددهم أو سلطاتهم. وبهذا نقفز على البيروقراطية العقيمة، ونحطم الروتين العفن، والأهم أننا نعدم «أو نقلل» أو «نحصر» الفساد.. ونغلق الباب أمام المفسدين.. وعموماً «الرقابة» على موظف واحد والاثنين المساعدين ممكنة.. لكن الرقابة على العشرات والمئات التى يتعامل معها المستثمر حالياً هى «شبه مستحيلة»!! صباح الخير سيادة الرئيس: أرجو دراسة هذا الاقتراح بجدية، وطالما أنه نجح فى المغرب التى كانت تعوم فى بحيرات الفساد، فلماذا لا ينجح عندنا؟ وزير الاستثمار الحالى شخص نشيط وفاهم، ويمكنه تطوير هذا «الاقتراح» بما يفيد المصلحة الوطنية، ويمكنه الاطلاع على التجربة المغربية تحت مسمى «السلطة الجهوية بالمغرب» حتى نختصر الطريق، ولا نعيد اختراع العجلة.. فأوضاعنا لم تعد تحتمل التجريب أو الفشل، والمؤتمر الاقتصادى بعد 3 شهور، وهذا «المؤتمر» فى رأيى هو «الأمل» الوحيد أمامنا، لنحقق «الحلم».. حلم إقلاع مصر إلى سماء العالمية. ونستكمل الثلاثاء المقبل.