مرتدياً بالطو أبيض، قابعاً خلف أدراج مصفوفة بزجاجات الدواء، بينما تتجوّل عيناه بين الأدوية الموضوعة فوق الأرفف، وقد سكن الفراغ أماكن الكثير منها، يقطعه صوت منخفض: «لو سمحت يا دكتور ممكن تصرف لى الروشتة دى»، يلتقطها بينما تخرج الكلمات من حلقه متباطئة، معتذراً للمريض: «آسف يا فندم الدواء فيه نقص ومش موجود، خلى الدكتور يغير لك الصنف، أو ممكن تاخد البديل».. مشاهد تكررت كثيراً فى الآونة الأخيرة حتى باتت تهدد حياة آلاف المرضى، بسبب نقص كثير من الأدوية فى السوق، حيث أعلنت وزارة الصحة أن هناك نقصاً فى 180 صنفاً دوائياً، بينما أكدت نقابة الأطباء أن العجز وصل إلى نحو 751 صنفاً، كما جاء على لسان الدكتور هيثم عبدالعزيز وكيل نقابة الصيادلة ورئيس لجنة الصيادلة الحكوميين، الذى أكد أن أزمة النواقص التى تعانى منها سوق الدواء فى مصر، 70% منها أزمة مختلقة تسبب فيها عدم تطبيق الاسم العلمى حتى الآن وعدم معرفة المريض الفرق بين الدواء البديل والمثيل، كما ألمح «عبدالعزيز» إلى أن كثيراً من النواقص من إنتاج شركات قطاع الأعمال المملوكة للدولة التى تعانى إشكالية فى تسعير الدواء، مما يكبّدها خسائر كبيرة يجعلها تقلل من إنتاجها، خاصة فى ظل غياب دعم الدولة لها، قائلاً: «لدينا إشكالية فى التسعير، فهناك أدوية مسعّرة بأكثر مما تستحق فى مقابل أخرى لم يتغير تسعيرها منذ سنوات، حيث يصل متوسط سعر الأدوية التى تنتجها شركات قطاع الأعمال إلى 2 جنيه و20 جنيهاً فى الشركات الخاصة والأدوية المستوردة، فشريط منع الحمل الذى تنتجه إحدى شركات قطاع الأعمال ثمنه 65 قرشاً، فى حين يصل سعر المثيل له، الذى تنتجه الشركات الخاصة إلى 35 و39 جنيهاً للشريط الواحد، مع العلم أن إنتاج هذه الشركات الحكومية يصل إلى نحو 1200 صنف دوائى، منها ما يقرب من 600 صنف يباع بأقل من تكلفة إنتاجه، وهذا ما أكدته تقارير الشركات مما كبّدها خسائر وصلت إلى 130 مليون جنيه خلال العام الماضى». ويؤكد رئيس لجنة الصيادلة الحكوميين أنه فى ظل الخسائر التى تحققها هذه الشركات تلجأ إلى تقليل إنتاجها، وبالتالى عجزها فى تغطية احتياجات السوق، فلا يجد المريض أمامه سوى اللجوء إلى شراء نفس الأنواع أو بدائلها بأسعار مضاعفة، مضيفاً أن تحريك سعر الدواء يصب فى مصلحة المريض فى المقام الأول، يليه الصيدلى. ويرى الدكتور عمرو الروبى، صيدلى، أن النقص الذى تعانيه الصيدليات، يكمن فى بعض الأدوية الحيوية الخاصة بعلاج الإنجاب وهرمونات الحوامل والسكر مثل «جيوكافاج»، والكبد مثل «أورثوفالك» وحالات النزيف، مثل «ديثنول» و«تاناكان» الذى يستخدم لتحسين الدورة الدموية و«ناتريكس إس آر» لعلاج الضغط و«دينترا» الخاص بعلاج أزمات القلب، وكذلك المضادات الحيوية وحقن «الأنتى إتش آر» والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة مثل الفشل الكبدى، والتيتانوس، وحقن «ثيوبنتال» التى تُستخدم فى تخدير المريض قبل البدء فى العمليات الجراحية، وأمبولات المياه الطبية، فضلاً عن الجبس وألبان الأطفال المدعمة من نوع ليبتوملك ونكتاليا تو التى يصل سعرها إلى 17 جنيهاً، بينما يصل بديلها إلى 55 جنيهاً، ويضيف أن معرفة الفرق بين البديل والمثيل من شأنها الحد من أزمة النواقص فى الصيدليات.