نشرت مؤسسة الفكر العربى منذ أيام قليلة تقريراً عن الوضع الاقتصادى فى مصر استعداداً لمؤتمر الدول المانحة لمصر والمزمع عقده فى شهر فبراير المقبل. التقرير يحمل من الأرقام ما يجبر أى عقل طبيعى وأى ضمير وطنى على فعل شىء واحد، الإمساك فى تلابيب الأمل للخروج بمصر وأبنائها من تلك الأزمة -التى لا يمكن نسبها إلى الحاضر بأى حال من الأحوال- فيكون السعى نحو المستقبل بدأب وإصرار على تحقيق الكرامة الاقتصادية والاجتماعية لأبنائنا، هو الطريق الوحيد المسموح لنا السير فيه، وما عداه هُراء وتسفيه للأمور. فيقول التقرير: «أنه فى إطار سلسلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى وعد بها الرئيس السيسى، اتّخذ أوّل قرار -غير شعبى- بتخفيض الدعم للوقود بمقدار 44 مليار جنيه ليبقى عند حدّ 100 مليار جنيه فى موازنة العام المالى 2014 -2015. وصاحب هذا القرار زيادة أسعار الكهرباء، بهدف تقليص العجز فى الموازنة الجديدة التى بدأت فى يوليو الماضى بقيمة 240 مليار جنيه بما يوازى 33.6 مليار دولار. لتكون نسبة العجز 10% فقط من الناتج المحلّى الإجمالى، مقابل 12% قيمة العجز المقدّر فى ميزانية العام الماضى 2013-2014». اتخذ الرئيس هذه الخطوة فى وقت كان خطر الغرق فى بئر الديون يطارد بلادنا بعد أن بلغت أكثر من 3 تريليونات جنيه أى 417 مليار دولار. لقد خرجت مصر من عهد مبارك وحجم ديونها قد بلغ ذروة الخطر فى يناير2011 بقيمة تريليون و172 مليار جنيه، منها 962 مليار جنيه ديناً داخلياً. وكان مبارك سعى فى العام 2009 لإعادة جدولة الديون الخارجية مع كل من نادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليّين، فتمّت الجدولة-كما يقول التقرير- لفترات متباعدة حتى العام 2050، بفوائد عالية جداً، وبأقساط نصف سنوية. بما يوازى استنزاف نحو 25 فى المائة من المصادر الاقتصادية للبلاد! ثم أكمل المجلس العسكرى بقيادة طنطاوى ومن بعده الإخوان بقيادة الشاطر وتابعه مرسى، بقية حجم الدين ليرثه فى النهاية الرئيس السيسى، الذى لم يكن أمامه اختيار آخر فيما اتخذ من قرارات، داعماً إياها بمحاولة تفعيل آلية ضبط الأسواق التى تفتقدها مصر. فى ذات الوقت الذى طالب فيه الحكومة بضرورة رفع معدّلات النموّ لمساعدة الفقراء على الخروج من دائرة الفقر وتحسين أحوال محدودى الدخل، بإزالة أسباب الفقر لا بتخفيف أثره. من خلال رفع إنتاجية الفقراء وإشراكهم فى عملية التنمية. ولذا أشار التقرير إلى اهتمام خطّة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى 2014-2015 بتحسين الخدمات العامة وتحقيق العدالة بين الأقاليم، من خلال استثمارات مستهدفة قدرها أكثر من 44.5 مليار جنيه، وتشكّل نسبة 47.7% من إجمالى الاستثمارات العامة المستهدفة فى الخطّة. بالإضافة لتخصيص 19.5 مليار جنيه لمشروعات الإسكان الاجتماعى ومرافق مياه الشرب والصرف الصحّى. بقى أن نعرف أن نصيب كل منا فى ديون مصر يبلغ نحو 15.500 جنيه، وهو ما يساوى نحو 50 ضعف نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة، و23 ضعفاً من نصيبه فى الإنفاق على التعليم، و300 ضعف من الإنفاق السنوى على خدمات الإسكان. ولذا لم يعد يعنينى الحكم على مبارك المؤجل لجلسة نطق فى نهاية شهر نوفمبر المقبل، فقد قال التاريخ كلمته أخطأ فى حق شعبه بغياب الخدمات والعدالة والتنمية الحقيقية، ولم يخن وطنه فحافظ على الحدود والأرض والجند». ولكن ما يعنينا الآن يا سادة هو المستقبل الذى نريد أن يكون ويستند على تلك الأرقام. لن يستطيع الرئيس فعل كل شىء، ولذا وجب على كل منا أن يتحمل نصيبه فى تلك الحمولة. فإن كنتم تحبون مصر فأثبتوا لها ذلك بعمل لا يتوقف وضمير لا ينام. واحذروا عدواً لا يكل عن التربص بكم.