كلمة تاريخية، تلك التى ألقاها الرئيس السيسى فى الدورة 69 من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، كانت كالسهم الذى أصاب الهدف! أكثر ما أثلج صدرى أن الرئيس لا يغفل فى أى مناسبة محلية كانت أو دولية، الإشارة إلى ثورتى 25 و30، إلا أنه هذه المرة ذكر أن الشعب المصرى «صنع التاريخ مرتين» الأولى ضد حكم الفرد والفساد، والثانية ضد قوى الظلام والإقصاء، وهنا إشارة واضحة إلى الثورتين، فما رَدُّ نفرٍ من المتعصبين من أنصار «مبارك ومرسى»، الذين يرون فى الأولى نكبة وفى الثانية انقلاباً؟! وكأنهم ينكرون على الشعب المصرى إنجازين تاريخيين لمجرد عدم مصادفة ما قام به الشعب لأهوائهم ومصالحهم الشخصية الضيقة! أتمنى أن تختفى حدة الاستقطاب بين الجانبين التى أشعلتها بعض أبواق أنظمة متهاوية تصفّى حساباتها على جثة الشعب، فها هو رمز الدولة الجديد المنتخب يعترف بإنجاز الشعب مرتين أمام ممثلى 190 دولة، أفلا تعقلون؟ فى مجمل كلمة الرئيس إحساس وطنى عظيم، بدولة عادت لتفرض هيبتها على المجتمع الدولى، وبغض النظر عن أزمات اقتصادية لا تخفى على أحد، فإن مصر التى تحدث رئيسها فى عقر دار سيد البيت الأبيض «أوباما» فى نيويورك، الآن مختلفة، فهى ليست دولة ضعيفة عجوزاً منبطحة تابعة، كما كانت وقت مبارك ولا هى «لا دولة» تحكمها دمى ماريونت «متطرفة» يحرك خيوطها «أوباما» بإشارة من إصبعه من شرفة مكتبه البيضاوى فى واشنطن، كما كانت وقت «مرسى»، بل هى دولة مؤسسات يحميها جيش وطنى ويرأسها قائد يحظى بدعم شعبى كبير، والأهم أنها دولة ذات رؤية ورسالة، رؤية مستقبلية ورسالة كونية. الرئيس تحدث بكل أدب، لم يذكر اسم دولة معادية، ولم ينتقد شخصاً بالاسم، كلامه كان ضمنياً، لكنه رسائل كودية وشفرات موجعة دون همزٍ ولا لمزٍ لمن يعى ويفهم، منعه خلقه، وشعب عظيم يمثله من الخوض فى أسماء دول وشخصيات ناصبت العداء لمصر، فجسّد سمواً يليق بزعيم مصر الحضارة، مهد الإنسانية والإسلام المعتدل، كما ذكر فى كلمته. «السيسى» المواطن المصرى الذى استطاع أن يجعل قادة دول العالم يصفّقون له مرتين فى 15 دقيقة، بتحريكه مشاعر قادة أمم، عادة ما تكون جلستهم هذه باردة دبلوماسية محايدة، إلا أن كاريزما الرئيس وفخره بالشعب المصرى العظيم تارة، وهتافه «تحيا مصر» الذى يُعد سابقة فى تاريخ الأممالمتحدة، حرّكت جليد القاعة الباردة، وأضفت دفئاً ووهجاً لمشاعر الحضور، مما دعاهم إلى الاستجابة بالتصفيق لقائد شعب عظيم، له تاريخ معروف للقاصى والدانى، عانى من الفساد والإرهاب وقوى الظلام، وخرج سالماً بعد ثورتين، من مخططات لهدم دولته وتفتيت جغرافيته ومحو تاريخه! أما كلمة المغرور «أوباما»، الذى تصوّر أنه نبى الحكم والمواعظ فى الكوكب، ووقف يعطى الشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية محاضرة متعالية، عن قيم التسامح ونشر الحب والسلام، ونسى أن ورقة التوت سقطت عن إدارته ومشروعه لتمزيق الوطن العربى لصالح إسرائيل، وبينما كان صوت «أوباما» بارداً أجوف فى الأممالمتحدة، كانت طائراته تقصف سوريا، ويُذبح العراقيون تحت احتلال جنوده، ويحتل «الحوثيون» صنعاء، و«فجر ليبيا» طرابلس، وينتظر السودان أن يصبح 3 دول، ولا يجد أطفال غزة طعاماً ولا دواءً ولا مسكناً! وكل ذلك نتيجة سياسات أمريكا الخرقاء لتغيير الخريطة «الجيوسياسية» فى الشرق الأوسط عن طريق إشعال الفتن الطائفية وتحضير «عفريت» مافيا التطرّف، لكن ألم تتعلم أمريكا أنها لم تستطع أن تصرف هذا «العفريت» كما حدث مع «القاعدة»؟! فانقلب السحر على الساحر فى 11/9! إنها مصر الحضارة التى ذهب رئيسها إلى الأممالمتحدة، يزأر أمام «أوباما» وعصبته، بانتصار شعب مصر على مؤامراتهم الشيطانية، مصر التى ذهب «أوباما» لرئيسها فى مقر إقامته فى نيويورك! مصر التى حظى رئيسها بتقدير دول العالم بالتصفيق له مرتين لم يحظْ بهما فتى «الكاوبوى»! هى ببساطة: مصر التاريخ والسلام التى فرضت على واشنطن قوانين اللعبة، فقال «السيسى» بكل شياكة و«مَعْلمَة» ل«أوباما» فى الأممالمتحدة: «عزيزى أوباما.. .. كش ملك»!