«وسؤال أخير لجميع الحكام العرب: ألم يئن أوان تفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك لمواجهة مخاطر الإرهاب بعيداً عن تحالفات أمريكا المشبوهة، التى تصب حتماً فى خدمة مصالحها وتهدد الأمن القومى العربى كله؟». - وسط صمت تام من الدول الكبرى والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، ظهرت «داعش» وجرائمها برعاية وحماية أمريكا التى اعتادت إنشاء واستخدام الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها، واستمرت «داعش» فى ارتكاب فظائعها من قتل وذبح وتهجير بحق المدنيين الأبرياء فى العراق وسوريا، ولم يسلم من جرائمها أحد سواء المسلمين السنة والشيعة أو المسيحيين أو الأيزيديين، وفى ظل ذلك كانت تصريحات أمريكا وحلفائها من الغرب تؤكد أن «داعش» ظهرت كرد فعل لطائفية وفشل المالكى، وأنها لن تتدخل لواقف جرائم «داعش» على اعتبار أن الأمر يحتاج حلاً سياسياً. وأكد الرئيس أوباما وقتها أن أمريكا لن تتدخل عسكرياً، وتجاهلت أمريكا وحلفاؤها المذابح التى راح ضحيتها آلاف الأبرياء، كما تجاهلت آلاف المشردين والمحاصرين من المسيحيين والأيزيديين. ثم وبصورةٍ مفاجئة وبعد عرض فيديو ذبح الصحفى الأمريكى جيمس فولى الذى يشبه فى تصويره وإخراجه أفلام السينما الأمريكية، انتفضت أمريكا وحلفاؤها لمواجهة «داعش»، وكأن ذبح جيمس فولى كان أول جرائم هذا التنظيم البربرى. وفى الحقيقة أن أقل ما يوصف به موقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما وحلفائه تجاه «داعش» وجرائمها هو النفاق والخداع. - والآن وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى موجود فى المنطقة ويقوم بجولات مكوكية، ويجتمع بالمسئولين فى السعودية ودول مجلس التعاون ومصر وغيرها من الدول العربية، وكما هو معروف أن الغرض السياسى العام من زيارة كيرى هو حشد الدول العربية ودول الخليج بالذات، للمشاركة فى التحالف الذى تريد أمريكا تشكيله لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابى، فأمريكا بداية تريد من السعودية ودول الخليج أن تقوم بتمويل هذه العمليات العسكرية المزعومة، وفى نفس الوقت إن مشاركة الدول العربية السُّنيَّة بالذات فى هذه الحملة الأمريكية الجديدة تعطى شرعية للحرب الأمريكية ضد داعش. وفى الحقيقة أن المتأمل لبعض التصريحات المشبوهة التى خرجت من الإدارة الأمريكية، وخاصة تلك التى ذكرت السعى لتكوين ميليشيات لمواجهة «داعش» على الأرض من خلال صيغة تولى أبناء المحافظات بناء قواهم الذاتية، يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الحرب على داعش لن تكون طويلة فحسب، بل وقد تمثل ولادة حروب قديمة جديدة، يأتى فى مقدمتها حروب بين السُّنة والشيعة كوسيلة أساسية تعتمد عليها أمريكا فى تدمير المنطقة وتقسيمها وبناء شرق أوسطها الجديد. - وعلى الرغم من أن الدول العربية وخاصة مصر فى مقدمة الدول التى يهمها محاربة الإرهاب فى المنطقة، فإنها يجب أن تتعامل مع هذا التحرك الأمريكى الجديد بمنتهى الريبة والحيطة والحذر، ويجب أن تضع أمام أعينها أسئلة محددة قبل أى حديث عن المشاركة وطبيعتها فى تحالف أمريكا المزعوم، وفى مقدمة هذه الأسئلة: o ما علاقة أمريكا بإنشاء وتحريك تنظيم داعش، خاصة بعد اعتراف الإدارة الأمريكية الصريح بأنها أنشأت تنظيم القاعدة لمساعدتها فى مواجهة الاتحاد السوفيتى السابق فى أفغانستان؟ ولماذا صمتت أمريكا على جرائم «داعش» فى البداية؟ ثم لماذا تتحرك الآن؟ وبناء عليه يأتى سؤال مهم ما طبيعة هذا التحالف بالضبط، وما أهدافه الحقيقية، وعلى أى أسس يطلبون انضمام الدول العربية؟ وما الضمانة أن نتائج هذا التحالف سوف تختلف عن التحالفات السابقة التى قادتها أمريكا فى أفغانستان ثم فى العراق، التى أثمرت المزيد من الإرهاب والعنف فى المنطقة؟ o الأمر الثانى هو أن أمريكا قد حددت تحالفاتها بالفعل فتحالفت فعلياً مع إيران ومع القوى والميليشيات الشيعية والأكراد فى العراق، ودخل هذا التحالف حيز التنفيذ الفعلى، وفى نفس الوقت صرح جون كيرى أكثر من مرة بأنه من غير المناسب وجود إيران فى تحالف أمريكا ضد «داعش»، وأن إيران تدعم الإرهاب، ففى ظل هذا التناقض تأتى مجموعة من الأسئلة وهى: أى مشروع تريد أمريكا تكريسه فى العراق وسوريا بالضبط فى نهاية المطاف؟ هل المشروع الإيرانى الشيعى؟ أم مشروع الوحدة الوطنية ومحاربة الطائفية؟ وما موقع سُنَّة العراق وسوريا كما تراه أمريكا فعلياً وبعيداً عن التصريحات الإنشائية الكاذبة حول ضرورة إنصاف السُّنة والتى لا تعكس حقيقة موقف أمريكا؟ ثم ما الموقف الأمريكى من الدور الإيرانى فى المنطقة بصورة عامة؟ وبالتأكيد ما الدور الذى سوف يلعبه هذا التحالف فى الصراع الدائر فى سوريا؟ o كذلك ما دور قطر وتركيا فى هذا التحالف، خاصة مع وجود أدلة مؤكدة تثبت تورطهما فى دعم «داعش» وغيرها من جماعات الإرهاب فى ليبيا وسوريا والسودان، بل وحول العالم؟ o ويبقى سؤال كبير هو: ما المقصود بالإرهاب بالضبط الذى تريد أمريكا تشكيل تحالف فى مواجهته؟ هل الأمر مقتصر على «داعش» فى العراق وسوريا، أم سيمتد إلى كل صور الإرهاب التى تضر بالدول العربية؟ وماذا عن «الدواعش» الآخرين المنتشرين من ليبيا ونيجيريا إلى اليمن وباكستان وأفغانستان وما بينها؟ والأهم ما موقف أمريكا من الجماعة الإرهابية الأم جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى؟ - يجب على جميع الدول العربية قبل أن تحدد موقفها من الانضمام إلى تحالف أمريكا الجديد أن تجيب عن هذه الأسئلة. وسؤال أخير لجميع الحكام العرب ألم يئن أوان تفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك لمواجهة مخاطر الإرهاب بعيداً عن تحالفات أمريكا المشبوهة، التى تصب حتماً فى خدمة مصالحها وتهدد الأمن القومى العربى كله؟