هلل الكثيرون لقرار الحكومة القطرية بطرد سبعة من قادة جماعة الإخوان، الذين احتضنتهم ودعمتهم وسخرت لهم الأموال والإعلام فى التحريض على العنف والإرهاب، وتجاهل هؤلاء أن هناك المئات لا يزالون يتمتعون بالحماية القطرية، وأن قناة «الجزيرة» لا تزال تبث سمومها ضد مصر بالشائعات والأكاذيب. دعونا نتفق أولاً على أن حكومة قطر لجأت إلى اتخاذ هذا القرار تحت ضغط من عدد من دول مجلس التعاون الخليجى، وتحديداً «السعودية والإمارات والبحرين»، وأنها تلكأت كثيراً فى الاستجابة لهذه الضغوط، وتنصلت من وعودها التى تعهدت بها فى وقت سابق، وأبرزها «اتفاق الرياض» فى 23 نوفمبر 2013. لقد ضاقت دول الخليج ذرعاً بالمواقف القطرية، والمؤامرة التى لعبت فيها الحكومة الدور الأكبر فى دعم ما تسميه «ثورات الربيع العربى»، التى جرى توظيفها على غير إرادة الشعوب لنشر الفوضى وهدم المؤسسات وفتح الطريق أمام التيارات الأصولية المتطرفة لاعتلاء السلطة فى هذه البلدان. لم تكن قطر فى هذه الحرب سوى وكيل عن القوى الأجنبية، وتحديداً «أمريكا وإسرائيل، وبعض البلدان الغربية الأخرى المنضوية تحت راية هذا المخطط».. استخدمت المال، ومدت بعض القوى بالسلاح، وسعت إلى احتضان رموز التطرف والإرهاب وسخرت قناة «الجزيرة» لقيادة الحرب الإعلامية التى مهدت الطريق لقوى التطرف، عبر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة وإعادة إنتاج الصورة والخبر بما يخدم هذا المخطط. وطيلة الشهور الماضية، كانت الحكومة القطرية تتلكأ فى تنفيذ ما تعهدت به، ورغم حدوث انقسام داخل الأسرة الحاكمة، ورفض شعبى واسع، فإن الحكومة الرسمية التى تدير من الخارج بقيادة حمد بن جاسم رئيس الوزراء السابق ظلت على رفضها من التسليم بالمطالب الخليجية والمصرية. ومؤخراً قام وزيرا الخارجية والداخلية السعوديان وبرفقتهما مدير المخابرات السعودية بزيارة إلى قطر، أثارت العديد من التساؤلات، إلا أن ما تسرب عن هذه الزيارة أكد أن السعودية كانت جادة فى تهديداتها وتحذيراتها لإنهاء هذا الملف. لقد ذهب وزير الخارجية السعودى والوفد المرافق له إلى قطر، لينقل إلى قادتها رسالة باسم قادة المملكة السعودية والإمارات والبحرين، تقول: «إن صدر قادة هذه البلدان قد ضاق من جراء المواقف القطرية الداعمة للإرهاب، وإن استمرار قطر فى سياستها يعنى أنها قررت أن تناصب دول مجلس التعاون والمنطقة بأسرها العداء، وإن الدول الثلاث ستتخذ إجراءات فاعلة وقوية ضد قطر للدفاع عن أمنها واستقرارها». وقدم الوفد السعودى إلى الحكومة القطرية كشفاً بأسماء عناصر خليجية وعربية ومصرية على وجه التحديد تدعم الإرهاب وتحرض عليه، وتستخدم قطر كقاعدة انطلاق لإثارة الفوضى فى المنطقة، كما جرى تقديم معلومات عن تحركات واتصالات قام بها مسئولون قطريون كبار لدعم الإرهاب وتمويل «داعش» أذهلت المسئولين الأمنيين القطريين. يومها وعدت الحكومة القطرية باتخاذ إجراءات تتضمن: طرد عدد من رموز وقادة جماعة الإخوان «الإرهابية»، وبعض العناصر المرتبطة بهم على دفعات، شريطة أن تؤمِّن لهم أماكن قبل إبعادهم عنها، ورفضت قطر فى هذا الوقت طلباً مصرياً بتسليم هذه العناصر إلى الجهات القضائية المصرية، كونهم مطلوبين على ذمة بعض قضايا العنف والإرهاب. وقد طلب وزير الخارجية السعودى جدولاً زمنياً تلتزم به قطر يتضمن إبعاد هذه العناصر جميعها خلال فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، إلا أن الحكومة القطرية وعدت ببحث الأمر، وأنها سوف تلتزم بتنفيذ هذا القرار على الفور. وكانت القضية الثانية.. هى موقف قطر الداعم لتنظيم «داعش»، حيث قدم مدير المخابرات العامة السعودية تقريراً يتضمن معلومات موثقة عن الدور القطرى فى دعم تنظيم «داعش» بالأموال وشراء كميات هائلة من الأسلحة الحديثة وتأمين سفر العديد من هذه العناصر إلى تركيا، ومنها إلى العراق وسوريا. ورغم النفى القطرى لهذه المعلومات المقدمة، فإن الجانب السعودى كان يملك وثائق تؤكد حقيقة هذا الدور الذى لعبت فيه قطر، إلى جوار أطراف أخرى إقليمية ودولية، الدور الأساسى فى خلق هذا التنظيم ورعايته. وكانت القضية الثالثة.. وهى قناة «الجزيرة» والدور الذى تلعبه ضد مصر ودول المنطقة، ورغم أن المسئولين القطريين حاولوا التأكيد على ما سموه التزام «الجزيرة» بالمعايير المهنية فى تغطيتها للأحداث، فإن الجانب السعودى كان قد أعد ملفاً كاملاً بتجاوزات «الجزيرة» ضد مصر، وضد دول مجلس التعاون الخليجى ودول المنطقة على السواء. وفى «مؤتمر جدة» الذى عُقد الخميس الماضى بحضور وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى، إضافة إلى وزراء خارجية مصر ولبنان والأردن والعراق ومشاركة تركية، كان الموقف القطرى مطروحاً للنقاش. وكان وزير الخارجية المصرى «سامح شكرى» الأكثر صراحة فى انتقاد الموقفين الأمريكى والقطرى فى دعم الإرهاب والتحريض على الفوضى فى مصر وبلدان المنطقة، منتقداً المعايير المزدوجة فى التعامل مع هذه الأوضاع. ويبدو أن جون كيرى أدرك الوطأة التى وضعه فيها وزير الخارجية المصرى، فراح يطلب من وزير الخارجية القطرى ضرورة أن تراجع حكومته موقفها من العناصر المشتبه فى تورطها فى الإرهاب والتى لا تزال توجد على الأرض القطرية. لم يتطرق جون كيرى إلى موقف بلاده من جماعة الإخوان أو الجماعات المتطرفة التى تقود عملية الفوضى فى ليبيا، وهى الأفعال التى أشار إليها وزير الخارجية المصرى بصراحة، فى كلمته أمام القمة، غير أن واشنطن أدركت حجم الغضب العربى من جراء سياستها والسياسة القطرية خلال الجلسة المغلقة للاجتماع. لقد اتفقت الدول المشاركة فى هذا الاجتماع على أن تسهم كل دولة فى الاستراتيجية الشاملة لمواجهة تنظيم «داعش»، وهذه المساهمة تشمل منع تدفق المقاتلين الأجانب من دول الجوار ووقف تدفق الأموال للتنظيم وللجماعات المتطرفة الأخرى ومحاسبة المسئولين عن الفظائع التى ترتكبها هذه الجماعات، والمشاركة فى أوجه العمل العسكرى ضد «داعش» حين يكون الأمر ملائماً. كان طبيعياً بعد انتهاء أعمال المؤتمر أن تبدأ الحكومة القطرية إجراءاتها على الفور، ولذلك قررت طرد سبعة من قيادات الإخوان، علَّ ذلك يخفف من وطأة الاتهامات التى وُوجهت بها قطر داخل اجتماع جدة، ويخفف أيضاً من حجم الضغوط الخليجية عليها بعد تنصلها لأكثر من مرة من التعهدات التى قطعتها على نفسها. الخطوة القطرية لم تجد أى مصداقية على أرض الواقع، خصوصاً لدى مصر ودول مجلس التعاون الخليجى، البعض ينظر إليها على أنها «تكتيك» هدفه تجاوز الأزمة الناشبة، وآخرون يرون أن خطوات أخرى سوف تتبعها، وهناك من يرى أن قطر قررت تعديل استراتيجيتها، بحيث تتبنى سراً ما لا تستطيع تبنيه علناً كما حدث فى الفترة السابقة. أياً كان الأمر، وأيا كانت ردود الفعل حول القرار القطرى الأخير، بإبعاد سبعة من رموز الإخوان، فهى خطوة أفقدت «الجماعة» صوابها، وجعلت مستقبل الهاربين من قياداتها فى مهب الريح، وأكدت أن الخناق يضيق عليها من كل اتجاه، خاصة بعد انهيار بنيانها التنظيمى الرئيسى على الأرض المصرية، ومن هنا بدأت تنطلق الأصوات من كل اتجاه لتعيد من جديد طرح قضية «المصالحة»!! ويبقى السؤال دوماً: أى مصالحة؟.. ومع مَن؟.. وما مصير الدماء التى سالت والإرهاب الذى مورس.. والخراب الذى حل بالكثير من المؤسسات من جراء إرهابهم وعنفهم؟!