موعد منتظر كل عام نهاية سبتمبر، يلتقى زعماء وقادة العالم بمقر الأممالمتحدةبنيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة -والتى كان من صميم عملى تغطيتها أثناء إقامتى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية لعدة سنوات- وعلى هامش الجمعية تدور لقاءات ثنائية يتابعها الإعلاميون والصحفيون فى المؤتمرات الصحفية، فضلاً عن كلمات الزعماء والقادة، وتدور عادة فى الكواليس متابعات أخرى حول انسحاب وفود دول بعينها لدى حديث إسرائيل، وترقب دولى لكلمة رئيس إيران! أما هذه الجمعية، فيترقب فيها الجميع كلمة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، فى أول زيارة له للولايات المتحدةالأمريكية بعد انتخابه، وذلك بعد أن أوفد رئيس الوزراء لقمة أمريكا- أفريقيا التى عُقدت الشهر الماضى فى واشنطن، وهو الموقف الذى قرأته دوائر صنع القرار فى البيت الأبيض والبنتاجون والكونجرس والخارجية الأمريكية بأنه عزوف من الرئيس المصرى عن الحضور رداً على مواقف أمريكا الداعمة للإخوان ضد ثورة 30 يونيو. وربما كان قرار البنتاجون بإرسال العشر طائرات «الأباتشى» لمصر الأسبوع الماضى فى محاولة لتبريد حدة التوتر واسترضاء السيسى عشماً فى حضوره الجمعية العامة، فضلاً عن تلك الزيارة التى أجراها السيسى لبوتين فى منتجع سوتشى والتى صدَّرت صورة (القاهرة وموسكو إيد واحدة) ضد تعنت الكاوبوى! من المتوقع أن يبدأ الإخوان وحلفاؤهم فى أمريكا حملة دق أبواب لتعكير صفو الرئيس المصرى لدى زيارته لنيويورك، سواء بالمظاهرات أو البيانات الصحفية وما شابه، وهذا لا يقلقنا كثيراً لأن رهان الولاياتالمتحدةالأمريكية على الإخوان أثبت فشله، فكثير من أعضاء الكونجرس انتقدوا أوباما لترجيحه كفة الإخوان الخاسرة، فضلاً عن أن قادة البنتاجون لا يمكن أن يغامروا بالعلاقة مع مصر، فالقاهرة رمّانة الميزان التى لا مناص من استرضائها الآن وليس غداً، إضافة إلى أن ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية لا يمكن أن تتخلى عن دعم اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، والتى بدورها تحفظ لمصر حقها فى لعب دور محورى فى تهدئة الأوضاع بين المقاومة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلى، وقد كان ذلك واضحاً وجلياً فى المبادرة المصرية الأخيرة. من الإيجابيات أيضاً، التزام مصر بخريطة المستقبل، 3 يوليو، وإنجاز الدستور وانتخابات الرئاسة فى موعدها، والإعلان عن فتح باب انتخابات البرلمان أكتوبر المقبل، فضلاً عن انطلاق حزمة من المشاريع القومية الكبرى التى تضع مصر فى صورة الدولة التى لديها خريطة للتنمية وجذب الاستثمار على المدى البعيد. لكن هناك ملفاً شائكاً سيضع مصر ورئيسها على خط الانتقاد الدولى فى نيويورك، هو ملف الحريات، وانتشار الاعتقالات على خلفية قانون التظاهر المعيب، والذى ينادى الكثيرون -وأنا منهم- وربما حتى رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوى الذى صدر القانون فى عهده، بتعديله الآن (يمكن العودة لحوار الببلاوى فى الشروق الأربعاء)، فليس من المعقول أن يكون شباب من مؤيدى ثورة 30 يونيو ناصبوا العداء للإخوان وسُجنوا فى عهد مرسى خلف القضبان الآن، فما بين الأمن والحرية استقطاب حاد، والسؤال المطروح: ألا يمكن تحقيق الأمن دون المساس بالحريات؟ وهل من عارض مشروعاً وزارياً أو قراراً حكومياً مثل من فخَّخ منشأة أو فجَّر مدرعة أو قتل عسكريين أو روَّع مدنيين؟! الخيارات السياسية يجب تفعيلها، وحديث الإعلام الواحد، فضلاً عن تخوين كل من اختلف حول طريقة الإدارة، يعود بنا إلى المربع صفر، فالحريات العامة وتشجيع الأحزاب السياسية وتعديل القوانين التى لا تتماشى مع الدستور، وفتح ملفات المعتقلين السياسيين على خلفية قانون التظاهر، واجب وطنى الآن قبل الذهاب إلى نيويورك، فلا يجب أن يعتلى رئيس مصر منصة الأممالمتحدة، وهناك شباب يشعرون بالظلم فى سجون دولة قامت بثورتين لإسقاط نظام فاسد وآخر ظلامى! هناك قاعدة تقول إن على المحارب ألا يفتح عدة ثغرات أو جبهات فى وقت واحد، حتى يستطيع تركيز قواته نحو النصر، وهذا ما أدعو إليه، ليس كل من يعارض إرهابياً، وكفانا تصدير الإحباط للشباب، وتخوين 25 يناير، فلم يكن مبارك قديساً ولم تكن ثورة يناير جريمة، فلولا «25» لما كانت «30»، ولولا «تمرد» التى خرجت من رحم الثورة الأم، «25»، ما استطعنا أن نكسر حاجز الخوف، فلا يجب أن نترك ثغرة الحريات العامة ليتسلل منها كل من لديه سهام فيرمينا بها من على منصة الأممالمتحدة فى نيويورك، فتصبح الدبلوماسية المصرية فى مرمى نيران الانتقاد بدلاً من أن تُرفع القبعة لمصر التى هزمت التطرف وتقاوم الإرهاب الآن.. وللحديث بقية.