انتظام امتحانات النقل للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية بالبحيرة    رئيس «صحة الشيوخ»: الدولة أولت الأطباء اهتماما كبيرا في الفترة الأخيرة    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    محافظة الشرقية تناقش البلاغات الواردة على خط نجدة الطفل    طلاب جامعة المنوفية يشاركون في فعاليات النسخة الثالثة من منتدى الأزهر «اسمع واتكلم»    النفط يسجل خسارة للأسبوع الثاني بفعل توقعات الفائدة وصعود الدولار    تعزيز التعاون بين مصر وسويسرا في مجالات السياحة والآثار    وكيلة تموين الشرقية: توريدات القمح بالشون والصوامع تتجاوز النصف مليون طن    بأعلى مستوى أمان للركاب.. مواصفات «تاكسي العاصمة الإدارية الكهربائي» وموعد تشغيله    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة تُلامس حاجز ال35 ألف شهيد    الإمارات تهاجم نتنياهو: لا يتمتع بأي صفة شرعية ولن نشارك بمخطط للمحتل في غزة    وزير التموين: مصر قدمت 80% من إجمالي الدعم المقدم لقطاع غزة    رئيس حزب الاتحاد: مصر صمام الأمان للقضية الفلسطينية    انتخاب الدكتور محمد الخشت عضوًا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    إنريكي: أتفهم قرار مبابي بالرحيل.. وباريس سان جيرمان سيستمر كنادٍ عظيم    الحفاظ على زيزو.. ماذا ينتظر الزمالك بعد نهائي الكونفدرالية؟    بالصور| ضبط 7 عاطلين بحوزتهم 9 كيلو مخدرات بالقاهرة    عاصفة ترابية.. تحذير عاجل من الأرصاد لسكان تلك المحافظات    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    قرار جديد من القضاء بشأن محاكمة المتهم بقتل 3 مصريين في قطر    ضبط المتهمة بالنصب والاحتيال على المواطنين في سوهاج    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    جمهور الأوبرا بين الموسيقى الكلاسيكية والعربية وفن الباليه    تسلل شخص لمتحف الشمع في لندن ووضع مجسم طفل على جاستن بيبر (صور)    اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري تجتمع لمناقشة تفاصيل الدورة ال17    باسم سمرة يكشف سر إيفيهات «يلا بينا» و«باي من غير سلام» في «العتاولة»    استشاري تغذية علاجية يوضح علاقة التوتر بالوزن (فيديو)    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    وزير الصحة: كل مقدمي الخدمات الصحية وعلى رأسهم الأطباء "في عين وقلب الرئيس"    محافظ الشرقية يهنئ فريق هوكي الرجال بالفوز بالدوري الممتاز للمرة ال33    الاتحاد الأوروبي يبدي استعداده لدراسة الاستفادة من مياه الصرف الصناعي المعالجة في مصر    وزيرة التضامن تشهد عرض المدرسة العربية للسينما والتليفزيون فيلم «نور عيني»    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    تشكيل مانشستر سيتي – تغيير وحيد في مواجهة فولام    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالم للإسكواش 2024 المقامة بنادي بالم هيلز الرياضي    ضرب الشحات «قلمين».. اعلامية تكشف شروط الشيبي للتنازل عن قضيته (فيديو)    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    بسبب «البدايات».. بسمة بوسيل ترند «جوجل» بعد مفاجأة تامر حسني .. ما القصة؟    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم.. فرصة مانشستر سيتي الذهبية للصدارة    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد المستشفيات والوحدات الصحية بالأقصر    مصرع مهندس في حادث تصادم مروع على كورنيش النيل ببني سويف    جهاز المنصورة الجديدة: بيع 7 محال تجارية بجلسة مزاد علني    توريد 164 ألفا و870 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«لجنة المائة».. الطريق إلى خيانة الثورة يبدأ ب«غياب إنكار الذات» (1-2)
نشر في الوطن يوم 29 - 09 - 2012

مع عودة القوى السياسية إلى محاولة التوحد من جديد، يصبح من المفيد أن يعرف كثيرون محاولة أخرى لو كتب لها النجاح لتغير كل شىء، لعل الجميع يعى الدرس، ويفهم أن الطريق إلى خيانة الشعب والثورة مفروش دوماً بغياب فضيلة إنكار الذات. إنها قصة «لجنة المائة» مع عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى، التى انتهى تأثيرها، لكن لم ينته أثرها، وها أنا أطرحه هنا، ليس من قبيل نكء الجرح، ولا فتح الملفات العابرة، بل لإيمانى بأنه وقت البحث عن طريق جديد لتنظيم صفوف جماهير الثورة، والاعتذار لها، والتواضع أمامها، فهى صاحبة الحق الأصيل فى الإتيان بمن ترغب إلى صدارة المشهد السياسى، وعلى كل الرؤوس السياسية أن تنصت جيداً لما يهمس ويصرخ به الناس، وتعرف أنها لم توقع لأحد صكاً على بياض، وأنها قد تمنع ما منحته، وتسحب ما قدمته، إن وجدت أحداً، أياً كان، قد تملكته روح التعالى والانفراد والشعور الطاغى بالزعامة. فيا أيها الذين عاندتم، ورفضتم كل النداءات المخلصة من أجل التوحد وإنكار الذات، أمامكم فرصة لطاعة التاريخ، الذى ليس بوسعكم أن تصنعونه إلا بسواعد الناس ووفق إرادتهم وعلى أشواقهم إلى العدالة والحرية والكفاية والكرامة.
البداية..
لم تكن فكرة «لجنة المائة» فكرتى، لكننى أخلصت لها على قدر استطاعتى، وأعطانى زملائى وأصدقائى دوراً كبيراً فيها، وقدمونى على أنفسهم. ولم تكن فى البداية تكويناً من مائة شخصية وطنية، لكنها اتسعت هكذا، وبلغت هذا الحد، مثل ما اتسعت فكرتها من محاولة إيجاد ظهير من شخصيات تنتمى إلى التيار اليسارى والليبرالى يسند الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فى معركته بانتخابات الرئاسة، إلى حوار وطنى جاد وعميق ومنفتح، غير متحيز لأحد من المرشحين، إلا بقدر ما يتوافق وضعه مع معايير صارمة وجادة وجلية وضعتها اللجنة، ومنها ألا يكون المرشح منتمياً بأى حال من الأحوال إلى نظام مبارك، وأن يكون من التيار الثورى، ويتمتع بحسن سمعة وكفاءة ونزاهة وقدرة على الإدارة، وأن تكون حظوظه وافرة فى سباق الرئاسة، وأن يقبل العمل مع فريق رئاسى يمثل كل ألوان الطيف السياسى.
بدأت الفكرة تحت عنوان «المشروع الرئاسى للثورة» وعقب اجتماع بشأنها ضم رموزاً وطنية من مختلف التيارات السياسية والخلفيات المهنية، تم الانتهاء إلى جملة من المعايير يجب توافرها فى المرشح الرئاسى الذى سيقف كل هؤلاء خلفه هى:
1- القبول الشعبى العام.
2- تبنى مطالب الثورة وأهدافها كاملة غير منقوصة.
3- الاستعصاء على الاستقطاب نحو أى تيار سياسى.
4- التاريخ الوطنى النضالى المشرف.
5- المحافظة على الثوابت الوطنية محلياً وإقليمياً ودولياً.
6- طهارة اليد والنزاهة وحسن السمعة.
7- ألا يكون من النظام السابق أو تعاون معه، وألا يكون من العسكريين.
8- أن يقبل المشاركة فى تعديل برنامجه بما يخدم الوطن.
9- أن يحسن إدارة حملته الانتخابية، ويكون صاحب حظوظ وافرة فى المنافسة القوية على منصب الرئاسة.
10- أن يكون خطابه متفاعلاً بشكل إيجابى مع التيار الاجتماعى الرئيسى، بما يمكنه من لم شمل المصريين.
11- القدرة على إدارة العمل العام والفهم العميق للظروف التى تمر بها البلاد، ومتطلبات مصر فى المرحلة المقبلة.
وفضلاً عن تشكيل لجان للاتصال والإعلام، والتنسيق، واستطلاع الرأى، قررت المجموعة تشكيل لجان أخرى ل«التجوال على كل محافظات الجمهورية»، و«وضع تصور وبرنامج يحقق مطالب الشعب»، وخبراء لتقدير موقف وفرص كل المرشحين من تخصصات عديدة منها الاجتماع والعلوم السياسية والاقتصاد والإعلام وعلم النفس والإحصاء، علاوة على تحديد اختصاصات نائب الرئيس، ويلتزم الرئيس بها.
واتفق المشاركون على أن يتبرعوا من مالهم الخاص لتمويل اجتماعات المجموعة وجولاتها فى مختلف المحافظات، على أن تعمل المجموعة على بناء فريق عمل دائم إلى ما بعد الانتخابات، يسعى لتكوين تيار سياسى بديل لمصر المستقبل.
الفكرة جاء بها إلىّ ذات يوم المهندس حامد الدفراوى المنشق على جماعة الإخوان، أو بمعنى أدق المتخاصم مع التنظيميين داخل الجماعة أو من انحرفوا بها بعيداً عن أفكار مؤسسها حسن البنا، حين قال لى فى اتصال هاتفى: نريد أن نكون مجموعة من الشخصيات والقامات الوطنية المشهود لها بالنزاهة وذات الصيت الذائع لمواجهة مرشحى النظام السابق.
وكنت أعرفه جيداً يوم أن جاء إلى مكتبى عقب تنحى حسنى مبارك بأسابيع قليلة؛ ليعرض علىّ أن أنضم إلى قيادات الحزب الذى يكونه الداعية عمرو خالد، واعتذرت له يومها.
وحين التقينا وجدت أن فكرته لا تزيد على تجميع منتمين إلى التيار اليسارى والليبرالى خلف أبوالفتوح. كان اللقاء فى «مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية» بحضور مديره الصديق الأستاذ عبدالخالق فاروق الخبير الاقتصادى المعروف. وحين تجاذبنا أطراف الحديث حول الفكرة، وقلبناها على وجوهها، استقر بنا الحال أن نوسعها، عبر فتح باب للحوار مع المرشحين الآخرين، وكنا نقصد، حمدين صباحى وأبوالعز الحريرى وهشام البسطويسى وخالد على.
فى هذه الآونة كان الإخوان يقولون إنهم لن يقدموا مرشحاً لانتخابات الرئاسة، وحتى حين تقدم خيرت الشاطر فيما بعد، وخرج لأسباب قانونية فدخل مكانه محمد مرسى، لم يكن فى حسبان أى من أعضاء اللجنة مد الحوار أو محاولة التوافق والتوفيق إلى ساحة الإخوان، التى أخذت تتصرف كجماعة مكتفية بذاتها، ساعية بقوة ودأب وصرامة نحو السلطة دون اعتبار لمبدئهم القديم: «المشاركة لا المغالبة». كما كان بعضنا يرى أن سيطرة القطبيين على الإخوان وتهميش الإصلاحيين، يبعدهم بقدر ما عن صلب وعين فكرة التيار الرئيسى، التى تعمل تحت طائلتها ووفق مقتضياتها «لجنة المائة».
وإزاء هذا، وكذلك سعى بعض رجال النظام القديم للعودة إلى سدة الحكم، كان لا بد أن نفعل شيئاً، على قدر استطاعتنا. وكتبت يومها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» عبارة رأيت أنها قد تجيب عن أسئلة أتلقاها ليل نهار: «سألنى كثيرون عن الرئيس المقبل، وأود أن أطمئن الجميع أن هناك شخصيات فى هذا البلد العظيم، لى شرف أن أكون من بينها، لا تكتفى بالفرجة على المشهد من بعيد، بل تعكف منذ مدة فى لقاءات متواصلة، على بناء مشروع رئاسى لدخول الانتخابات المقبلة، ثم مواصلة الطريق إلى النهاية..لست مخولاً عن مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، فقط أردت أن أرد على كثيرين يقولون لنا: افعلوا ما هو بعد الكلام ولا تتركوا الساحة خالية للعابثين».
وعقدنا خمسة اجتماعات تحضيرية بمقر مركز النيل، أيام 17 و20 و26 من فبراير و10 و12 مارس سنة 2011، أعقبها التئام «لجنة المائة»، التى عقدت بدورها، وبكامل هيئتها، ثلاثة اجتماعات الأول فى مركز النيل، والثانى بفندق «جراند حياة» والثالث بقاعة مركز المؤتمرات بجامعة الأزهر. كما انعقدت بالتوازى مع هذه الاجتماعات أربع جلسات ل«لجان الخبراء»، رمت إلى تقويم الحظوظ الانتخابية لكافة المرشحين، وصياغة «تقدير موقف نهائى» حول الأوزان النسبية المتصورة. كما قامت لجنة الاتصال بالجلوس لمرات عدة مع ممثلين للحملات الانتخابية للمرشحين بساقية الصاوى، ومقر الجمعية الوطنية للتغيير، وأماكن أخرى.
وحاولت أن أصور الموقف برمته للرأى العام فى عبارة تقول: (حين يقف «نسر» حمدين صباحى على «شجرة» خالد على وعنقه محاط ب«ساعة» البسطاويسى ثم يرمى بصره ب«نظارة» الحريرى نحو «حصان» أبوالفتوح الذى يلتقط أنفاسه تحت الظلال الوارقة، فإن القافلة يمكن أن تكمل الرحلة، وتصل إلى المحطة التى نتمناها جميعاً).
كنا نعمل بإخلاص وتفانٍ شديدين، وندرك أنها اللحظة التاريخية التى يمكن فيها أن ننقذ ما تبقى من الثورة، عبر الإتيان بمرشح ثورى ليجلس فى كرسى الرئيس ويغير كل شىء وفق شعارات الثورة ومبادئها، وعلى أشواق الناس إلى العدل والكفاية واستقلال القرار الوطنى والحرية والكرامة والعيش المشترك، لكننا كلما جلسنا نتحدث أو تحركنا لنؤثر اصطدمنا بالعقبة الرئيسية، وهى ضرورة أن يتوافق من قصدناهم بما بدأنا وما نفعله.
وكنا نعرف، كأعضاء للجنة، صعوبة ما نحن مقدمون عليه، ليس لشىء سوى لأن فضيلة «إنكار الذات» باتت شيئاً عزيز المنال فى حياتنا السياسية، وهى آفة عانينا منها كثيراً قبل الثورة، واستمرت أعراضها المؤذية بعد أن نزلت الملايين إلى الشوارع، وكأن الشعب لم يعلم هؤلاء شيئاً من تجرده وتضحيته ورغبته العارمة والجارفة فى التغيير.
وبدأت لحظة الحقيقة، ألا وهى مصارحة المرشحين الأوفر حظاً وهما عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى بضرورة أن يتنازل أحدهما للآخر، ويعلن أنه سيعينه نائباً له حال فوزه، ويخوض الانتخابات بفريق رئاسى أمام الناس، يعرفون أسماء أعضائه، وينتخبون المرشح الذى يعتلى هذا الفريق على أنه «مرشح الثورة».
كانت لجنة الاتصال قد أدت دورها، فاستطلعت رأى صباحى، وأبلغنى أحد أعضائها الخبير الاقتصادى القدير أحمد النجار بموافقة صباحى على التنازل إن رأت «لجنة المائة» أن أبوالفتوح هو الأوفر حظاً، وهى مسألة كانت لا تحتاج إلى برهان وقت أن بدأنا العمل. كان أبوالفتوح حقاً له رصيد كبير فى الشارع، وانعكس هذا فى تقديرات لجنة الخبراء التى شكلناها، وراحت تدرس فرص المرشحين وفق معايير ومؤشرات وقياسات علمية.
أما أبوالفتوح فقد تصرف طيلة الوقت على أنه ليس فى حاجة إلى أحد من المرشحين الآخرين، وقال المقربون منه: هو لا يريد أن يلزم نفسه بأحد، خوفاً من أن يؤثر هذا سلباً على فرصه، متكئاً بالفعل على أن قانون الانتخاب لا يسمح بالتصويت على اثنين (رئيس ونائب) فى ورقة واحدة. وكنا نحن نعرف هذا بالطبع، لكن ما أردناه هو أن يكون هذا الأمر معلناً فى الواقع وعلى رؤوس الأشهاد وأمام الشعب، وتقوم الدعاية الانتخابية بتكريس هذا التوجه فى الأذهان باعتباره طريق الثورة، ويذهب الناس إلى صناديق الانتخاب، وذلك الأمر فى يقينهم، ويصوتون له عن قناعة.
لم نكن واهمين، إذ إن نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية أكدت أهمية وواقعية ما كنا نفعله، فأبوالفتوح وصباحى والمرشحون الآخرون الذين كنا نتحاور معهم حصلوا تقريباً على ضعف ما حصل عليه من ذهبا إلى الجولة الثانية، وهما محمد مرسى وأحمد شفيق. وهذا معناه أن التوحد بين من قصدناهم كان يعنى أن أحدهما سيذهب مباشرة إلى الجولة الثانية، وربما كان الأمر قد انحسم من الجولة الأولى، وحتى لو لم يكن كذلك فإن تحليل نتائج الجولة الثانية تعنى بوضوح ودون مواربة أن أياً من أبوالفتوح أو صباحى كان سيربح، ويجنب المصريين الاكتئاب الذى عاشوه أسابيع حين وضعتهم الأقدار فى الاختيار بين سىء وأسوأ.
فى البداية ذهبت مع وفد من لجنة المائة إلى أبوالفتوح لنقابله فى بيته بالتجمع الخامس، فجاء إلينا منهكاً مما بذله طيلة الشهور الفائتة من جهد فى حملة انتخابية اشتد أوارها، لاسيما بعد أن دخل خيرت الشاطر إلى غمار السباق، محمولاً على أعناق الإخوان، وهو الذى بينه وبين أبوالفتوح ما صنع الحداد.
قال أبوالفتوح يومها إنه يتابع عمل اللجنة بامتنان، ويرجو لها التوفيق فى مهمتها الوطنية، وبدا لنا يومها عارفاً بما يدور داخل الاجتماعات، لاسيما ما يتعلق بالتقديرات التى وضعته فى المرتبة الأولى بين المرشحين الخمسة الذين قصدناهم.
لكن امتنان أبوالفتوح لم يُترجم لنا فى المسار الذى حددناه، إذ كان قد اتخذ قراره بتحديد ما أسماه «فريقه الرئاسى»، ولم يعد يحتاج من لجنتنا سوى أن تعلن تأييدها له منفرداً، باعتباره الأوفر حظاً، أو المرشح التوافقى المستكفى. بالطبع هو لم يقل هذا صراحة، لكن أوحى به. وبان الأمر جلياً حين سألنا: هل تضعون حازم أبوإسماعيل ضمن الفريق الرئاسى؟
كان السؤال مفاجئاً، فأبوالفتوح الذى يطرح نفسه باعتباره الوجه الحديث المتمدين للحركة الإسلامية المسيسة، والرجل المتناغم مع التيار الرئيسى أو ثقافة الشارع وقيمه وتوجهاته واعتدال تدينه ووسطيته، يسألنا عن وضع أبوإسماعيل الأقرب إلى «السلفية الجهادية» المخاصم لكثير مما عليه الناس، ويراه جاهلية، ويعرض طيلة الليل والنهار على شاشات التليفزيون فى حوارات متتابعة ما يخيف المثقفين والسياسيين اليساريين والليبراليين أو يثير تهكمهم واشمئزازهم، بل لا يروق لعوام الناس ممن يبتعدون بتدينهم عن التنطع والتشدد والغلو والإفراط.
قلت له: لكن حازم يقع خارج المسار الذى نتحدث عنه، وهكذا قال له صديقى الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز. وهز كل من حامد الدفراوى وسليمان سليمان رجل الأعمال المصرى الذى يعيش فى أوروبا ويميل إلى التيار الإسلامى، إلا أن الرجل كان يقدر الكتلة الانتخابية الكبيرة حول أبوإسماعيل، ويرى أنه من غير المستساغ أن يفقدها، ويتركها لغريمه خيرت الشاطر، الذى بدأ فى محاولة جذب السلفيين إليه.
وقلت ل«أبوالفتوح»: إن اقترابك من حازم سيفقدك أصوات التيار المدنى والمسيحيين والكثير من الناس العاديين الذى ينظرون إليك باعتبارك تمثل التدين الوسطى، وأولئك الذين يعولون عليك فى تعديل المسار الذى تسلكه جماعة الإخوان بعد أن اختظفها التنظيميون والقطبيون والمتسلفون. وهؤلاء المناصرون لك الآن أكبر بكثير مما لدى حازم، الذى يبدو ظاهرة إعلامية أكثر من كونه حقيقة راسخة على الأرض. كما أن كبار السلفيين قد لا ينجحون فى إقناع قواعدهم بك، لاسيما أنهم ينظرون إليك باعتبارك «منفتحاً أكثر من اللازم»، أو بمعنى أدق: أنت فى وجهة نظرهم لا تعطى الشرع، كما يدركونه ويستقر فى أذهانهم، وزنه اللازم فى خطابك السياسى.
وحين جاء الحديث عن صباحى، بدا أبوالفتوح متخوفاً من أن يؤثر التحالف مع مرشح ناصرى ذى ميول يسارية على موقف السلفيين منه، وكذلك بعض قطاعات داخل الإخوان تربت على مخاصمة مشروع جمال عبدالناصر وشخصه وتوجهه. وبدا وقتها أن أبوالفتوح يقدر جمهور صباحى بأنه لن يضيف إليه الكثير. ولم يكن تقدير أبوالفتوح وقتها خاطئاً، وقد تكون قد وصلته ما رأته لجنة الخبراء من أن الكتلة التى قد تصوت لصباحى لن تزيد على مليون ونصف، واعتبر أن هذا الرقم أقل بكثير مما يحصل عليه إن تحالف مع السلفيين. لكن بالطبع لم تصله، أو لم يقتنع بالتغير الهائل الذى حدث لصالح صباحى، وهو ما رأته اللجنة، ورصده مركز النيل فى استطلاعاته بعد ذلك بأسابيع قليلة. وربما كان أبوالفتوح يعطى أكثر وزناً لاستطلاعات الرأى التى كان يقوم بها مركز «بصيرة» ومركز «الأهرام» التى كانت تضع صباحى فى موضع متأخر.
وهكذا خرجنا من عنده ونحن مقتنعون بأن الرجل يتعامل مع لجنة المائة باعتبارها تجمعاً من المثقفين والشخصيات العامة التى إن أعلنت وقوفها خلفه ستعطيه دفعة وزخماً يعزز فرصه، وهى الفكرة التى كانت تختمر فى أذهان المقربين من أبوالفتوح داخل اللجنة، إلى درجة أن أحدهم هاتفنى فى وقت مبكر، عقب أول اجتماع شامل للجنة، وقال لى: لا يجب أن نضيع وقتاً فى المفاضلة والاختيار، الأمور واضحة، أبوالفتوح هو الأكثر حظاً وعلينا أن نعلن تأييده كسباً للوقت والجهد، وكان كلامه عن الحظوظ فى هذه الآونة صحيحاً، لكنه كان متناقضاً مع المسار الذى حددناه، فضلاً عن أن الخبراء، وكنت واحداً منهم، كانوا يقولون دوماً إن اتجاهات الرأى العام فى مصر تتغير بسرعة مذهلة، وكتبت هذا فى سلسلة مقالات لى ب«المصرى اليوم» وسمتها ب«من هو الرئيس؟».
كان أبوالفتوح يتكلم معنا بود وامتنان، لكنه بدا متعجلاً، يختلس النظرات إلى ساعة يده، ففهمنا أن لديه موعداً، وعذرناه، فعلى عاتقه الكثير، ومن يقابلهم ويكلمهم كثر. وحين خرجنا من بيته عرفنا من ينتظر، وكانت مفاجأة، بالنسبة لى، طار لها عقلى، واضطرب فؤادى، وشعرت بغصة فى حلقى، ومادت الأرض من تحت قدمى، وصرخت بما صرخ به الإمام محمد عبده: لعن الله السياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.