الصورة، تلك التى أصبحت أبلغ من أكثر التعبيرات بلاغة من وجهة نظره ورفاقه المؤمنين بالفن نفسه، فقط تكفى الصورة لإيصال الرسالة بشكل غير تقليدى فاق الفنون الإبداعية التى اعتادها الجميع، تصلك الرسالة بمجرد أن تقع عيناك على جدران الشوارع، وعلى الرغم من تحقيقه انتشارا كبيرا بعد الثورة، فإنه يظل فنا غير معترف به إلى حد كبير، ولا توجد أماكن متخصصة لتعلمه على مستوى واسع، اللهم إلا بعض الورش التى ينظمها كبار فنانى الجرافيتى. تلك هى الفكرة، أن تتحول مدينتك إلى متحف مفتوح، ألا تتكلف من أجل مشاهدة أحد الفنون الحديثة عناء ترتيب زيارات خاصة لمتحف أو أتيليه ما، فقط يكفيك سيرك فى شوارع مدينتك؛ لتستمع إلى صوت الجدران التى تنطق رفضا وغضبا يسمعه راسموه فقط، بينما يقبع المعنيون به فى مكمنهم دون أن تطالهم «ثورة الجرافيتى»، لكن وقائع بعينها تؤكد خشية البعض من «صوت الجدران المتعالى»، حيث أزيلت لوحات الجرافيتى من على جدران حى الدقى بحجة إزالة المواد الدعائية لمرشحى الرئاسة، عقب انتهاء الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، وقتها اعتبر الثوار الأمر «اغتيالا معنويا»، ومحوا لتاريخ الثورة الذى تم تدوينه على الجدران، قبل أن يتخذ موضعه فى أحد فصول التاريخ، ولعل واقعة أخرى أكدت الفكرة السابقة، وقتما أزيلت لوحات الجرافيتى من على سور الجامعة الأمريكية وشارع محمد محمود، لتنطلق حملة «امسح واحنا هنرسم تانى». «جنزير» الذى يعد من أشهر فنانى الجرافيتى فى مصر، يرى أن أهمية الفن الذى يتفوق فيه تأتى من كونها تلقى الضوء على منطقة ما معتمة، لم يزرها الإعلام، فهو يملأ فراغات إعلامية، تجاهلها الإعلام عمدا أو دون عمد، كما أنه يسلط الضوء على مشاكل مجتمعية تعانى من التعتيم، وهو «الموضوع اللى يستحق ينزل الشارع»، على حد قوله. هو يرى أن للجرافيتى قوة خاصة، لتركيزه على الصورة أكثر من الكلام، مضيفا أن الصورة كلما كانت بسيطة معبرة تخطف الأنظار حتى التى تمر بسرعة منها. جنزير الذى يرفض الإفصاح عن اسمه الحقيقى، تنتشر رسوماته على محيط واسع، حيث بإمكانك مشاهدة إبداعاته التى وصلت إلى عشرات الرسومات واللوحات، على جدران المعادى ومصر الجديدة والزمالك والدقى والمهندسين ووسط البلد بالطبع، وهو الذى اعتقل من قبل الشرطة العسكرية، حينما شارك أصدقاءه فى لصق ملصقات تدعو للحرية، كما أنه خلد الشهداء بجدارية، وذاع صيته لانتقاده المجلس العسكرى بشكل لاذع فى رسوماته، وهو الشاب الثلاثينى النحيف، الذى أتى الدنيا ليجد مبارك رئيسا، شأنه شأن أغلب شباب الثورة، حيث إنه مولود فى عام 1982. لم يكن تفوق جنزير فى الجرافيتى أو ما يطلق هو عليه «فن الشارع» بالصدفة، لكن ميوله الفنية ظهرت وقتما كان صغيرا، لكن انفجاره معبرا بالجرافيتى كان مع العام 2008، فى لوحات مناهضة لنظام مبارك كما ذاع صيته مع دعوته بفرقة فنانين آخرين إلى ما أسموه «أسبوع الجرافيتى العنيف». خبرته الكبيرة فى «الجرافيتى» تمكنه من استعراض تاريخ الفن، يقول إن الجرافيتى كان موجودا منذ ستينات القرن الماضى، لكنه اتسم بالكلاسيكية فى كل نواحيه، من الأفكار والموضوعات التى يتناولها وحتى الأدوات المستخدمة، التى كانت عبارة عن ألوان الزيت والموزايك، بالإضافة إلى استخدام فن النحت، ويستكمل جنزير حديثه موضحا الفرق بين جرافيتى اليوم وجرافيتى الستينات، «الجرافيتى الحديث أدواته شعبية أكتر وأرخص»، حيث يستخدم رسامو الجرافيتى الجدد، الدهانات البلاستيكية و«الإسبراى»، وهى الأدوات التى تعد رخيصة الثمن وشعبية مقارنة بالأدوات القديمة. يشير جنزير إلى أن المجتمع قد لا يقبل رسومات الجرافيتى فى بعض الأحيان، عندما تناقش الرسمة موضوعا حساسا، أو تتعرض له بالانتقاد اللاذع، وهو الأمر الذى يصفه ب«الرقابة على النفس».