تحت أشعة الشمس الدافئة، ووسط الأراضي الزراعية، وعلى حافة إحدى الترع، تجمع العشرات من أهالي وأطفال قرية «البسيونية»، بمحافظة الفيوم، تعلو الابتسامة وجوههم استمتاعًا بتركيب أضخم ساقية في مصر والتي بلغ ارتفاعها أكثر من ثمانية أمتار، صنعها «عم أحمد وعم ربيع»، اللذان يحملان سر الصنعة لكونهما من أقدم صانعي السواقي بالمحافظة. وتقاوم صناعة السواقي الاندثار بعدما اعتمد الكثيرون على مواتير المياه الكهربائية الحديثة في ري أراضيهم بدلًا من السواقي، رغم أنّها تضر البيئة وتتسبب في تسريب الزيت للمياه في معظم الأحيان فتلوثها، حيث لم يتبق من صانعي السواقي سوى شقيقين هما «أحمد وربيع»، ورثا صناعة السواقي أبًا عن جد منذ أكثر من 2000 عامًا، وأصبح عملهم الأساسي هو صيانة السواقي بينما يندر قيامهم بالتصنيع إلا لأهالي القرى الذين لا يزالون حريصين على استخدام السواقي حرصًا على تراثهم. ويستخدم الخشب الأبيض في صناعة السواقي، حيث يتم تصنيعها على شكل دائرة كبيرة تتخللها فتحات يطلق عليها العيون ويختلف حجمها باختلاف مساحة الأرض التي تستخدم لريها. وتشتهر «السواقي»، بكونها رمز وشعار محافظة الفيوم، حيث تضم ما يقرب من 224 ساقية بمختلف المراكز مقارنةً بباقي المحافظات، حيث كان أهالي الفيوم يستخدمونها في ري الأراضي الزراعية قديمًا، بقوة اندفاع المياه من الهدارات حيث تحمل المياه من الأسفل للأعلى، حتى أصبحت تعمل طوال الوقت بقوة. ونظرًا لانتشار السواقي بكثرة في الفيوم، أصبح ميدان السواقي بالفيوم، هو الأكثر إقبالًا من زوار المحافظة لرؤيتها، حتى أنّ الفنانة شادية تغنت لها قائلةً «سبع سواقي بقت بتضحك وتقول يا مصري النهاردة فرحك.. الأرض أرضك والطرح طرحك.. وبكرة تعمر وخيرها يكتر.. وخيرها يكتر الله أكبر الله أكبر.. سبع سواقي تملا قناها ياما دموعنا جريت معاه». ولم تكن وحدها الفنانة شادية بل غنت أم كلثوم أيضًا للسواقي بالإضافة إلى الفنان محمد عبد الوهاب. وتُعد السواقي شاهدًا على ذكاء المصري القديم وبراعته في الزراعة، حيث تحكي قصة 2000 عام ماضية استخدمت خلالها لري الأراضي الزراعية، حيث يرجع تاريخها إلى العصر البطلمي حينما بدأ المصري القديم يتجه للزراعة فابتكرها لري الأراضي الزراعية وتحديدًا في محافظة الفيوم التي كانت منخفضة المستوى، وكان فلاحوها في حاجة إلى طريقة سريعة لرفع المياه من الأسفل للأعلى، فصنعوا السواقي واستغلوا شلالات بحر يوسف في دفع المياه بواسطة السواقي بفعل اندفاع الشلالات، ثم تم تعميمها في باقي المناطق.