تبدأ الحمامة حكاية شجرة الصداقة قائلة: كنت أطير مع إخوتى، فرأيت كمية كبيرة من حبوب القمح تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية، كنا نشعر بالجوع، وللأسف كان الحب منثوراً على شبكة الصياد، وعندما بدأنا فى التقاط الحب أمسكت بنا خيوط الشبكة فشعرنا بالخوف وراحت كل حمامة تخبط بجناحيها فى جهة، تريد النجاة بنفسها دون أن تفكر فى غيرها! حزنت لموقف إخوتى، وقلت لها: وقعنا فى الشبكة لأننا أخطأنا ولم نأخذ حذرنا، والآن سنقع فى خطأ أكبر عندما نتفرق ويفكر كل منا فى نفسه فقط، فالاتحاد قوة، علينا أن نتعاون ونقفز معاً فنرتفع بالشبكة ونطير. وبالفعل طرنا ورآنا الصياد فجرى يتبعنا، تذكرت صديقى الفأر الرمادى وما فعله من قبل مع الأسد ملك الغابة حين وقع فى الشبكة فذهبت إليه فهو الوحيد الذى سينقذنا، ضحك الفأر قائلاً: كنت فى جحرى الصغير فسمعت صوت هديل حزين وعرفت أنها صديقتى الحمامة، كانت وإخوتها فى الشبكة فبدأت أقرض الحبال التى تحيط بها، ولدهشتى قالت لى الحمامة: لا تبدأ بى يا صديقى، أخاف إذا خلصتنى أولاً أن تتكاسل عن تخليص إخوتى، ابدأ بهن ولأكن أنا آخر من تخلصها من الشبكة. زاد إعجابى بصديقتى التى تفكر فى إخوتها كما تفكر فى نفسها، وقرضت الشبكة بمنتهى السرعة فشكرتنى صديقتى الحمامة وطارت بعد أن أهدتنى ريشة بيضاء وهديلها الرائع الذى ملأ السماء، وفجأة سقطت فوق رأسى ريشة سوداء؛ كان صديقنا الثالث الغراب، رفرف الغراب بجناحيه وقال: من زمن وأنا أبحث عن صديق نتقاسم معاً لحظات الخطر والأمان، وعندما رأيت شجاعتك وإخلاصك للحمامة شعرت أنك الصديق الذى أحلم به، كنت أعلم أنك لن تقبل صداقتى بسهولة، فالغربان أحياناً يأكلون الفئران، وكان علىَّ أن أكسب ثقتك، فالثقة والصراحة هما أساس الصداقة، ووقفت أمام جحرك لم أتحرك من مكانى، لم أذق الطعام والشراب حتى تمنحنى ثقتك وصداقتك. وفجأة شاهدت القط السمين يأتى من بعيد، ولأن جحرك يا صديقى كان على الطريق خفت أن يؤذيك، ففكرت فى صديقتى السلحفاة التى تسكن بجوار البحيرة الصغيرة. قال الفأر: أنا مدين لك يا صديقى الغراب، فلولاك لكنت وجبة شهية للقط السمين. أخرجت السلحفاة رأسها الصغير من صدَفتها وقالت: عندما شاهدت الغراب وهو يطير ويمسك ذيل الفأر بمنقاره خفت، وبسرعة نزلت فى البحيرة، ثم سمعت نعيقاً يقترب وعرفت أن صديقى الغراب فرحان، فالأصدقاء يشعرون ببعضهم البعض من دون كلام! ودعوت الغراب وصديقه الفأر لمسكنى وصرنا نحن الثلاثة أصدقاء، تعاهدنا على الإخلاص والوفاء، وفجأة شاهدنا غزالاً جميلاً يجرى نحونا، وفرحنا أننا صرنا أربعة أصدقاء، رد الغزال قائلاً: أحبكم كلكم أصدقائى، أنتم أجمل هدية منحها لى الله، لم أنس يوم أن وقعت فى شبكة الصياد، ودعوت الله أن ينقذنى، والحمد لله استجاب لدعائى؛ وجدتك يا غراب فوقى، والفأر الشجاع أمامى يقرض الشبكة بمنتهى السرعة، وكانت مفاجأة أن أرى السلحفاة تخرج من وراء الشجرة، قلت لها بقلق: كم أنت حنونة صديقتى! لكن ماذا ستفعلين إذا أتى الصياد؟ قال الغراب: أنا سأطير، وقال الفأر: وأنا سأجرى بأقصى سرعة، وأنت يا صديقتى السلحفاة، ماذا ستفعلين؟ وقبل أن ترد السلحفاة سمع الجميع صوت الهديل، كانت الحمامة البيضاء تحذرنا من الصياد الذى يقترب. جرى الفأر، وطار الغراب، ولم تكن السلحفاة قد ابتعدت كثيراً عندما وصل الصياد ورأى الشبكة فارغة وقد هربت منها، فقال بغيظ: أين الغزال؟! وبحث عنى لكنه لم يجد أمامه سوى السلحفاة فأمسكها بغيظ قائلاً: سآخذ هذه السلحفاة. نزلت دمعة من عين السلحفاة وقالت للغزال بامتنان: لن أنسى كيف أنقذتنى من شبكة الصياد عندما عرضت حياتك للخطر واقتربت منه لتشغله عنى، وفعلاً ما إن رآك حتى طاردك وتركنى. قال الغراب: كانت مغامرة منك يا غزال، قال الغزال: كان هذا هو الحل الوحيد لإنقاذ صديقتى السلحفاة، كنت أقترب من الصياد ليرانى، وعندما أشعر بقربه أجرى بسرعة ليجرى ورائى، وبذلك أعطى الفرصة لصديقتى السلحفاة أن تهرب دون أن يراها. قالت الحمامة: وعندما رأيت السلحفاة وقد ابتعدت عن المكان، حتى علا هديلى لأنبه الغزال فيجرى وينجو من شبكة الصياد، وهكذا اجتمعنا من جديد وصارت هذه الشجرة هى بيتنا الذى نشعر حوله بالأمان، نتمسك ببعضنا البعض مثل الأغصان، أوراقها الخضراء تمنحنا البهجة والجمال وتضمنا معاً فنشعر بالحب والحنان.