فى المقال السابق استعرضت آراء كثير من المفكرين والفلاسفة والكتاب الغربيين عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهنا أواصل بما رآه الفيلسوف الفرنسى جوستاف لوبون من أن الإمبراطورية التى أنشأها المسلمون كانت الأقل سفكا للدماء فى تاريخ الإنسانية، رغم ادعاء البعض انتشار الإسلام بحد السيف. ويقول لوبون عن القرآن «حسب هذا الكتاب تقديساً وخلوداً أن القرون التى مرت عليه لم تستطع أن تجفف ولو قليلاً من أسلوبه الذى لا يزال نقياً، كأن الأمس هو عهده بالوجود». وفى كتابه العمدة «تاريخ الأدب العربى» يقول المستشرق النابه كارل بروكلمان إن محمدا جاء لينير الدرب لمن كانوا يسيرون فى الظلام. أما كتاب «ألف شخصية عظيمة» لبلانتاجيت سومرست فراى فيشهد بأن «الكثير من المغرضين طمسوا معالم شخصية نبى الإسلام، حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، إنه شخصية كبرى فى تاريخ العالم، فضلاً عن أنه نبى مرسل». ويهاجم الكونت دى بول نيفيلييه رجال الدين المسيحى الذين تعمدوا التغاضى عن فضل الإسلام والمسلمين على الإنسانية جمعاء، فيما يتخذ المستشرق الفرنسى ألفونس إينين دينييه، الذى أعلن إسلامه عام 1927، الموقف نفسه، مدافعا عن الإسلام والرسول الكريم. وها هو الروائى الفرنسى العظيم أناتول دى فرانس، يتحدث على لسان أبطال إحدى رواياته قائلا: «أشأم أيام التاريخ هو يوم معركة بواتييه عام 732 عندما وقف الزحف الإسلامى، حيث توقفت الفنون والحضارة العربية أمام البربرية الأوروبية». ويذهب الأديب الألمانى الخالد جوته فى الاتجاه نفسه، معظما مكانة الرسول فى تاريخ الإنسانية جمعاء، ومستشهدا فى أعماله بالقرآن الكريم والسيرة النبوية، حتى قيل إنه قد أسلم سرا. والأمر نفسه تكرر فى أدب روائى وكاتب الأرجنتين العظيم خورخى بورخيس، الذى هام عشقا فى حضارة الشرق وأدبه، وظهر تأثره البالغ بالقرآن الكريم. وينصف العلامة رودينسان حضارة المسلمين قائلا: «إن علوم أوروبا فيما تلى الحروب الصليبية، والقرون الوسطى هى كلها علوم عربية الأصول إسلامية المصادر». ويؤكد العالم الفرنسى جوزيف كالميت أن المسلمين هم الذين قدموا الثقافة المثمرة للحضارة المعاصرة، بينما كان غير المسلمين يتلقون هذه الثقافة العربية الإسلامية بكل فخرٍ واعتزاز. ويقول الشاعر الأمريكى الكبير واشنطن إيرفينج: «كانت أمية محمد إحدى دلائل معجزة النبوة عند هذا الرجل الأمين الصادق، الذى بعثت به السماء لمهمة مقدسة، وكان حريصاً لإيصالها بالحب، بعد أن علمته السماء.. كان يحارب من أجل العقيدة، لا من أجل مصلحة شخصية». والأمر الثانى أن أداء الجاليات الإسلامية فى الغرب لا يخدم الإسلام كثيرا، فالجهد الذى يبذلونه فى تبصير الناس بحقيقة الإسلام قليل، وسلوك بعضهم يسىء إلى دينهم، كما أن انغلاقهم على أنفسهم، ورفض الاندماج الإيجابى فى المجتمعات التى يعيشون فيها ويستفيدون منها يقلق اليمين الأوروبى المتطرف منهم، فينعكس هذا سلبا على الإسلام. أما الأمر الثالث فيتعلق بالصبغة السياسية التى سيطرت على مضمون الصور المسيئة للرسول الكريم، من زاوية ربطها بين الإسلام والإرهاب، وهى صورة مستقرة فى أذهان الكسالى فى الغرب، الذين يصدقون ما تبثه إليهم وسائل إعلام مغرضة، ومناهج تعليمية وتربوية محرفة، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة، ومن بين من رسم هذه الصور ومن نشرها، اعترف اثنان فى مقابلة صحفية أجريت معهما بعد تفاقم الحدث أنهما لا يعرفان كثيرا عن الإسلام، ولا يدركان شيئا عن سيرة الرسول. والأمر الرابع يرتبط باحتمال استغلال القوة التى تبشر بصراع الأديان والحضارات فى العالم هذا الحدث فى البرهنة على صواب رؤيتها، وهى مسألة يجب أن يعيها جيدا العقلاء من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، ويواصلوا الحوار الدائر بينهما، درءا للفتنة، وتحقيقا لرسالة العدل والمحبة والإخاء والسلام التى تحملها رسالات السماء.