«من انهار منزله لا يعوّض، ولا تمنحه الحكومة تصريحاً بالبناء» الجملة الأشهر تداولاً بين أهالى الدرب الوسطانى فى القلعة، حيث يقبعون داخل بيوت قديمة مهددة بالسقوط بين الحين والآخر، ينتظرون قراراً من الحى بأمر الإزالة، ليلقوا نفس مصير «عم طارق»، الذى تحول بيته التمليك المكون من 5 طوابق، عمرها يتجاوز السبعين عاماً، إلى سطح وطابق أرضى مستأجر لأحد الأهالى ب4 جنيهات فى الشهر (إيجار قديم)، فلم يكن بيد الرجل الخمسينى حيلة لإنقاذ أسرته من العراء سوى بناء «شقة» منفردة بذاتها أعلى المبنى العتيق حتى يتمكن من تربية أبنائه وحمايتهم من الأذى. يظن الجميع أنه «أحسن من غيره» بعد أن استطاع بناء شقة، مظهرها من الداخل لا يوحى بخارجها، حيث تحدها من كل جانب عقارات تسببت عوامل الزمن فى هدمها، فلم يتبق منها سوى «كوم تراب» يستخدمه سكان المنطقة كمقالب للقمامة، أو وسيلة «ولاد الحرام» للتسلل على المنازل وسرقتها، ملخص واقع يعيشه طارق محمد محمد، سائق باليومية، داخل حارة الدرب الوسطانى بالقلعة، فالمنزل المكون من حجرتين ومطبخ وحمام وصالة هو عبارة عن أرضية غير مستوية وأسقف من الخشب «الأبلاكاش» تصل تكلفة تجديدها كل 6 أشهر بسبب العوامل الجوية إلى 6 آلاف جنيه: «لو فكرت أجيب طوب ورمل واعمل سقف خرسانى آخد مخالفة ممكن توصل ل130 ألف جنيه، والشقة كلها على بعضها متسواش أكتر من 25 ألف، ورغم كدا الحيطان انفصلت عن الأرضية وبنحلم كل يوم بالسقف وهو بيقع علينا.. إحنا بين الحياة والموت». المنطقة لا تربطه بالحنين فقط لأهلها وعشرتهم الطيبة التى دامت لأكثر من 52 عاماً بعمره، إنما بشريكة حياته الأولى التى تركت بعد وفاتها، إثر حادث، فى نفس «طارق» ذكرى أليمة واحتقان من واقعه ومنطقته ذات الوجه القبيح «مراتى ماتت تحت الأنقاض، بسبب بيت من البيوت المخالفة اللى جنبنا وقع عليها»، إرادة الله وحدها شاءت أن تهون على الأب الخمسينى عبء تربية طفليه «محمد» و«شروق» بزيجته الثانية التى أثمرت عن «إسلام» و«رحمة» الجميع إخوة تحت سقف الغرفة الخشبى، يتقاسمون اللقمة لا تفرقة بين بعضهم البعض، فلا يحتاج الأب أن يخبئ حقيقة وضعه المادى عليهم، فكل منهم يحمل مسئولية نفسه منذ الصغر «محمد ابنى اشتغل من 6 ابتدائى فى صناعة الصدف وبعدها أجزخانة، وإسلام الصغير صنايعى فى مصنع صناعة الخيامية». مروحة ولمبات موفرة، هى جزء لا ينفصل من شقة «طارق» توفيراً واسترشاداً لفاتورة الكهرباء، فدخله المتذبذب لا يسعف زوجته على تحمل نفقات أعلى من مصاريف الدروس الخصوصية للأبناء الثلاثة، وطلبات الشهر، اللحمة لا تدخل منزله إلا بين الحين والآخر، أحياناً تنام الأسرة بطقة أو طقتين «رضا والحمد لله».