معاناة جديدة تضاف إلى كاهل الأسرة المصرية، خاصة تلك التى رزقها الله بمولود جديد، وتحتاج «حقنة» ضرورية تحقن بها السيدة بعد عملية الوضع لتحمى نفسها فى المستقبل من تعرضها لخطر تشوه الجنين أو الإجهاض، وذلك بعد أن اختفت الحقنة التى تسمى الRH من جميع الصيدليات فى مصر، ولا توجد إلا فى هيئة «المصل واللقاح»، التى تفرض شروطاً صارمة للحصول عليها. الحقنة التى تمنع تشوه الأجنة والإجهاض والولادة المبكرة للسيدات الحوامل، اختفت فجأة من جميع صيدليات مصر رغم أهميتها، بعدما كانت متوافرة طوال السنوات الماضية، وأصبح المكان الوحيد على مستوى الجمهورية الذى تُصرف فيه حقن الRH هو هيئة «المصل واللقاح» من خلال صيدليتها، ورغم أنها تبيع الحقن بالسعر الحر، كما كانت تبيعه الصيدليات الخاصة، فإنها تشترط على طالب الحقنة أن يُحضر إفادة أو شهادة مختومة بختم النسر، أو ختم المستشفى العام الذى تتبع له الحامل، وبدون هذه الشهادة يمتنع موظفو صيدلية «المصل واللقاح» من صرف الحقنة للمواطنين المحتاجين لهذه الحقنة فى أسرع وقت، بسبب دخولهم فى وقت الخطر على زوجاتهم. وتوضح الدكتورة سهير عمار، استشارى أمراض النساء والتوليد، أنه يجب حقن السيدة بعد الولادة بحد أقصى 72 ساعة، حتى لا يحدث تأثير سلبى على صحة المرأة، وتأتى أهمية حقن RH فى كونها تقضى على الأجسام المضادة التى تتكون لدى السيدة الحامل، وتكون نسبتها سالبة فى الوقت الذى يكون فيه نسبة الزوج موجبة، ويكون الجنين موجباً على عكس حالة الأم، ويحدث تبادل بين دم الأم ودم الجنين، لذا تتكون أجسام مضادة عند الأم، وإذا حملت الأم مرة أخرى يتعرض جنينها للتشوه أو الإجهاض أو الولادة المبكرة. وتضيف «سهير» أن حقن RH كانت تباع فى جميع الصيدليات الحكومية والخاصة منذ سنتين وكانت متوفرة بكميات كبيرة، لكن منذ شهرين شحت هذه الحقن من السوق، وفرضت الحكومة عليها رقابة حتى لا تباع فى «السوق السوداء»، لأنها مستوردة وربما يكون هناك نقص فى كمية الاستيراد. «الوطن» رصدت جانباً من الأزمة أمام «المصل واللقاح»، حيث يُقبل على صيدليات الهيئة مواطنون من جميع المحافظات، باحثين عن «الحقنة» بلهفة، بعد أن مروا برحلة عذاب وبحث عنها فى عدد كبير من الصيدليات، ومنهم من دخلت زوجته غرفة العمليات لتضع مولودها وتحتاج الحقنة فى أسرع وقت، ومنهم من فات الأوان على ميعاد تعاطى زوجته لهذه الحقنة لكنه ما زال يأمل فى الحصول عليها. أحمد يوسف، 25 سنة، جاء من الفيوم إلى صيدلية «المصل واللقاح» طالباً الحقنة بأى ثمن، حيث ترقد زوجته فى أحد مستشفيات الفيوم، بعد عملية وضع، وعندما رفض العاملون بصيدلية المصل واللقاح صرف الحقنة له، قائلين: «لازم تجيب إخطار من المستشفى مختوم بختم النسر»، بات عليه العودة إلى بلده لإحضار الإخطار، بينما دخلت زوجته مرحلة الخطر بعد عملية الوضع. ويقول «أحمد»: «أنا اتبهدلت، ولفيت على كل صيدليات الفيوم وروحت جميع المستشفيات وملقتش حقنة عشان مراتى، الدكاترة قالوا انزل مصر هتلاقى الحقنة فى المصل واللقاح، لما جيت رفضوا يعطونى الحقنة إلا بإخطار وأنا معرفش أنهم بيحتاجوا إخطار من المستشفى إنها هتولد». يصمت «أحمد» قليلاً، ويضيف: «طب ليه أجيب إخطار من المستشفى طالما هشترى الحقنة بثمنها اللى كانت بتتباع به فى الصيدليات». ويلتقط محمد إسماعيل، من شبرا الخيمة طرف الحديث، قائلاً بنبرة حادة: «أنا بقالى 15 يوم بحاول أشترى الحقنة قبل ولادة مراتى لأنى عارف أنها هتحتاج الحقنة بعد الولادة، ولفيت جميع فروع الصيدليات الكبيرة فى مصر وملقتش الحقنة، وجيت للمصل واللقاح لقيت فيه ورق متعلق مكتوب عليه إن ممكن أحصل على الحقنة على نفقة الدولة، حاولت أستفسر من الدكاترة، قالوا لى: لا بد أن تأتى بتقرير يثبت الحالة، وموافقة للحصول على الحقنة على نفقة الدولة، وأشترى الحقنة بتمنها 300 جنيه، وخلال 30 يوم سيتم البت فى الموضوع وأبقى أسترد الفلوس، طيب أنا مراتى لازم تاخد الحقنة بعد الولادة ب8 ساعات، لو حد مش معاه فلوس هيعمل إيه؟، حرام والله». يستكمل الشاب الثلاثينى، الذى رزقه الله بولد قائلاً: «كان عندى مشكلة إن زوجتى هتولد فى مستشفى خاص فى شبرا، والمصل واللقاح محتاج ختم النسر أو ختم المستشفى العام على ورقة تقول إنه هيتولد هناك، ولم أتمكن من الحصول على الحقنة إلا بواسطة شهادة الميلاد التى استخرجناها فى نفس يوم الولادة، بعد أن دفعت «إكراميات». ويشكو أشرف بدران، الذى سافر من بلده التابع لمحافظة أسيوط ليلاً، حتى يصل إلى صيدلية المصل واللقاح ليحصل على الحقنة لزوجته، ويقول: «لما جيت المصل واللقاح قالوا لازم تجيب شهادة من مستشفى عام مختومة بختم النسر، قلتلهم مراتى لازم تاخد الحقنة عشان عدى عليها يومين، قالوا لى إحنا بنطبق التعليمات» ويشير محمد رؤوف، صيدلى، إلى أن الحقنة كانت تباع فى الصيدليات بدون قيود أو حتى أوراق رسمية، والحقنة كانت مسعرة ب300 جنيه، ويشتريها المواطن من هيئة المصل واللقاح بنفس السعر، إذن لماذا تشترط الهيئة أن يمدها طالب الحقنة بطلب رسمى مختوم بختم النسر، خاصة أنه لا يحصل عليها بشكل مدعم، ويضيف: الحقنة دى حساسة جداً ومهمة جداً للناس، وحرام الحكومة متوفرهاش بكثرة للمرضى.